أنعشت الحرب التي يشهدها اليمن منذ أكثر من 7 سنوات، سوق الشعوذة. وتنتشر أماكن العلاج التقليدي في مدينة تعز بشكل لافت، بعد أن كانت محصورة بأريافها، ولم يعد الأمر مقتصرًا على العلاج بالقرآن والأعشاب، بل امتد إلى صرف عقاقير طبية وضرب المرضى واستغلالهم. في وقت يفتقر اليمن لقانون ينظم هذه المهنة أو يجرمها.
في 22 شباط/ فبراير الماضي، استقبل طبيب الأمراض الجلدية عبدالرحيم السامعي، في عيادته وسط مدينة تعز، طفلة عمرها تسعة شهور، مصابة بجروح وحروق في ساقها. لم تكن تلك الحروق نتيجة حادث تعرضت له الطفلة، بل بسبب كي مارسه مشعوذ بمزاعم إخراج الجن من ساق الطفلة التي كانت تعاني من تورم خفيف في ساقها، حسبما يقول السامعي لـ”يمن سايت”.
وبحسب السامعي، فإن الطفلة “ظلت عشرة أيام تعاني ارتفاع الحرارة في جسدها جراء الكي بطريقة غير طبية ومخالفة للعلم اعتقادًا من المشعوذ أنه يقتل الجان الذي يسكن على ساق الطفلة – التي لم تكن الضحية الأولى ولا الأخيرة لممارسي العلاج التقليدي في اليمن، الذين تزايدت أعدادهم منذ اندلاع الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، حسب ما يرصد هذا التقرير.
ضرب وقطران
في 2014، قدر مركز الأبحاث والدراسات الاجتماعية اليمني، في دراسة صادرة عنه، عدد الذين يمارسون أنشطة االشعوذة والسحر في اليمن، بحوالي 15 ألف شخص. وبحسب الدراسة، تشكل النساء 70% من إجمالي اليمنيين الذين يلجؤون للسحرة والمشعوذين، والمقدر عددهم ما بين 250 ألفًا و300 ألف شخص.
إلا أن رصدًا نفذه معد هذا التقرير، أظهر تزايدًا مطردًا لمحال الشعوذة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل اندلاع الحرب. فمن إجمالي 16 مركزًا وعيادة علاج بالقرآن والأعشاب رصدها “يمن سايت”، هناك 5 مراكز تديرها نساء “شيخات”، موزعة في ثلاثة أحياء هي: (الحصب، وادي القاضي والبعرارة) في مديرية المظفر وسط مدينة تعز، منها 4 مراكز تعمل منذ بداية الحرب.
تظهر لوحات إعلانية لبعض هذه المراكز، أنها تختص بمعالجة مرضى السحر والمس والعين، وأكدت 6 حالات -جميعها من النساء- تحدثت إلى “يمن سايت”، استخدام “المشائخ والشيخات” أساليب عنيفة ومؤلمة.
أحلام محمد (اسم مستعار)، طالبة في جامعة تعز، قالت لـ”يمن سايت” إنها قصدت عيادة الشيخ سليمان الحميري، لعلاج آلام تعانيها في رقبتها وظهرها. تصف أحلام طريقة المعالج قائلة: “كان يقوم بالقبض على معدتي مرتين وأربع مرات على رأسي، ويخنقني حتى أصاب بالإغماء لأجل الجان يتكلموا معه”.
هالة أحمد الشرعبي هي الأخرى ترددت على معالجين بالقرآن والأعشاب، قبل أن تدلها صديقة لها على شيخة معالجة:
“طلبت مني الشيخة التعريف باسمي الحقيقي واسم أمي لمساعدة الجان على الكشف عن مرضي”،
تقول الشرعبي التي دفعت 150 ألف ريال (حوالي 100 دولار) مقابل علبة علاج اتضح لاحقًا أنها تحتوي على قطران، ما سبب لها جروحًا في المعدة.
غياب القانون شرعية المشعوذين
لا يوجد قانون ينظم عمل مراكز العلاج بالقرآن والأعشاب والرقية الشرعية، وهو ما ساعد على انتشارها، وبعض المعالجين يستخدمون مقر سكنهم لعلاج المرضى، مثل الشيخ الشرعبي الذي يستقبل مرضاه في منزله الكائن في حي الروضة، شمال مدينة تعز.
يشترط القانون اليمني رقم 26 لسنة 2002 الخاص بالمهن الطبية والصيدلانية، على ممارس المهنة “أن يكون حاصلًا على شهادة بكالوريوس في الطب البشري أو طب الأسنان أو الصيدلية من إحدى الجامعات اليمنية المعتمدة أو ما يعادلها من إحدى كليات الطب البشري أو الأسنان أو الصيدلية الخارجية والمعترف بها، على أن تكون مجازة من المجلس الطبي”.
وتحظر المادة 21 من القانون ذاته، بيع أدوية بصورة شخصية أو عينات أو مستحضرات صيدلانية مجانية أو غير حكومية للمرضى، وكذلك صرف أدوية بدون وصفة طبية من قبل طبيب مرخص له ومسجل في سجلات المجلس الأعلى، ولا تكرر صرف تلك الأدوية إلا بوصفة جديدة.
إلا أن بعض المرضى مثل أحلام وهالة، أفادوا بحصولهم على عقاقير صيدلانية من قبل معالجين بالقرآن والأعشاب، وهو ما أكده لـ”يمن سايت” الشيخ إبراهيم الشرعبي، الذي تخرج من جامعة الإيمان، قائلًا إنه لا يصرف العقاقير باستثناء “المحاليل الوريدية والمراهم وأقراص المعدة وقطرات العيون”.
أما الشيخ سليمان الحميري الذي عالج “أحلام” والذي يعمل متنقلًا ما بين وسط مدينة تعز والريف الغربي (مديرية مقبنة)، فنفى قيامه بصرف عقاقير لمرضاه. ويزعم الحميري أنه تخصص لمدة سبع سنوات في الجامعة المغربية للرقية الشرعية في المملكة المغربية.
في تعليقه على ما ورد في هذا التقرير، اكتفى مدير الرقابة في مكتب الصحة بمحافظة تعز الدكتور جلال عبدالرزاق، بالقول إن الأمر يرجع إلى وعي المواطن كالقيام بإبلاغ مكتب الصحة في حالة صرف عقاقير مخالفة، أو إبلاغ الشرطة، أما القانون المتعلق بالصحة فيشمل العيادات والمستشفيات والمراكز الصحية فقط.
وصارت ممارسات الشعوذة وما يعرف بالرقية الشرعية ومعالجة السحر، ظاهرة شائعة في المجتمعات العربية والإسلامية، تغذيها ثقافة غيبية شائعة حتى في أوساط المتعلمين، حسب ما تظهره بعض القصص المنشورة. كما يحظى ممارسو هذا النوع من العلاج بحضور لافت في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب.
وباستثناء دول قليلة مثل اليمن الذي يفتقر لتشريع يجرم أو ينظم هذا النوع من الممارسة، أقرت بعض الدول عقوبات على ممارسي الشعوذة. وعلى سبيل المثال يفرض القانون الإماراتي “عقوبة الحبس والغرامة لكل من ارتكب عملًا من أعمال السحر أو الشعوذة، سواء كان ذلك حقيقة أو خداعًا”.