إنها الغابة التي تحدث عنها نائب منسق شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية، آرون ميلر.
وهي مساحة مخصصة لمن تاهوا في الحرب، ونحن فعلنا ذلك بأداء حسن وبصدق نية.
في غابة كامب ديفيد في العام 2000، حين التقى عرفات وكلينتون وباراك، محاولين تكرار مبادرة قديمة، اختصر عرفات إحساسه بجملة واحدة ستبقى عالقة في ذهن ميلر كما في خاطر المحرر الآن: “إنكم لن تسيروا خلف نعشي”، ولتلك العبارة سمة النبوءة، فبعد سنوات أربع توفي القائل، ولم يكن أحد الثلاثة حاضراً بصفته خلف نعش يحمله 61 زعيم دولة.
كانوا يعرفون أنه لا سلام بين الخصمين، وبضوء ذلك تعاملوا مع أيامهم في التلال الشرقية لجبال كاتوكتين بولاية ماريلاند، حتى إنهم وجدوا متسعاً لمشاهدة فيلم المجالد وفيلم غواصة الحرب العالمية الثانية.
ووفقاً لميلر صاحب المذكرات التفصيلية “كان لدينا كل ما نحتاجه في كامب ديفيد باستثناء المكونات الرئيسية لجعل القمة تنجح”.
والأمر المؤكد لغياب عزيمة الوسيط، سفر بيل إلى قمة الثماني المنعقدة في طوكيو حينها، قبل أن ينتهي التفاوض، وفي أيام وجوده الأخيرة بالبيت الأبيض، أعلن أن لديه خطة سلام قال من طالعها إنها لو قدمت إلى كامب ديفيد، لكانت لقيت النجاح.
وهو أمر يحوم فوق رؤوس اليمنيين في مفاوضاتهم، ففي كل جولة تنقصهم المكونات الرئيسية لصناعة السلم، وتوضع الحرب على الطاولة قبل الورود.
التفاوض طريق اليمني قبل أن يشمر ساعديه للنزاع. إنه جاهز لجدل يفتت عمره ويبدد حلم بنيه.
وحتى لا يذهب بالريح الكلام، تحضر قصة تفاوض اليمن للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
في ربيع 1995 كان اليمن حاضراً في إعلان انطلاق منظمة التجارة العالمية في جنيف، وتم عقب ذلك الاتفاق على افتتاح مكتب في صنعاء، يحمل اسم مكتب الاتصال والتنسيق لانضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية. في ما بعد عمل موظفو المكتب بإخلاص على الحؤول دون الانضمام إلى المنظمة، ففي ذلك نهاية لخدمتهم، وتتويج لجهودهم.
في أبريل الماضي، عقدت في صنعاء ندوة كان المحرر قد شهد مثيلاً لها قبل عقدين من الآن. في الندوة الأحدث التي دارت حول قضية انضمام الدول (المخاطر والتحديات)، قال حسين مقبولي، وهو نائب رئيس وزراء في حكومة جماعة الحوثيين، إن دور منظمة التجارة اختراق الدول النامية واكتساح أسواقها بدون عائد. يقول هذا في ندوة لمناقشة انضمام يبحثه العالم مع اليمن منذ 25 عاماً.
في الورقة ذاتها التي قرأ منها النائب، أشار إلى الإنجازات المحققة إثر انضمام بلادنا للتجارة العالمية، والذي سيسهم في استقرار الأسعار.
أمام هذه التناقضات لا يملك الزمن نواجذ حتى نراها، بل يحوز أعيناً ليرى ما يجري، ويدون ما يمر.
قال “Ünal Üstündağ” أونال يوستنادو، مخرج فيلم وثائقي عن أصل أغنية تركية تدور حول الحرب في اليمن، تحمل اسم “لماذا يذهبون ولا يعودون”، قال إنه تاه نصف عام يبحث في أرشيف بلاده عن سر تخبط شخصية كانت تحكم اليمن أيام ترديد تلك الأغنية، في إشارة إلى يحيى حميد الدين. وقد وجد أنه لا يتعامل مع شخص واحد، بل 3 شخصيات في رجل، يبعث رسل سلام بالفجر، وفي المساء يرسل المقاتلين ممن لا يهتم بإيابهم أحياء، وعند الظهيرة يطلب معاشاً ممن يحاربهم، ويرجو العون ممن يسميهم غزاة.
هذا التناقض لا قدرة للسنوات على محوه، بل ينمو دائماً ليصبح أكبر، وإن غفا قليلاً فإنه يعود
في قصة الفُلْك الرابض على ساحل مدينة الحديدة، والمحمل بما يفني حياة البر والبحر، تجسيداً لفوضى تفاوض اليمني حول مصيره.
تعرف المليشيا أن المتضرر هو من تدعي حمايته، لكنه آخر اهتمامها، وموت الحياة البحرية لعقد من الزمن لا يعني شيئاً، وهم معدون للتفاوض زمناً يؤهلهم للسير خلف جنائز خصومهم.
وقد قال وزير الثروة السمكية للحوثيين محمد الزبيري، وهو ذاته رئيس تحرير صحيفة “الجماهير” البعثية سابقاً، إن على العالم أن يتحرك، ومن الورقة ذاتها التي أمامه، قرأ: “قضية خزان صافر تطرح للمرة الأولى منذ 5 سنوات، فأين كانت بريطانيا ومجلس الأمن عندما كنا نقدم المبادرة تلو الأخرى بهذا الشأن، دون أن يسمعنا أحد؟”.
وما البلدان إلا سفن يغرقها ركابها حين يطول نزاعهم حول أجدرهم بالتواجد في كرسي التحكم.