حضرموت تنتفض دفاعاُ عن الإمارات ضد فتنة بن حبريش”، هذا واحد من عناوين حملة شنتها وسائل إعلام وجماعات محسوبة على دولة الإمارات ضد المقدم عمرو علي بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، على خلفية بيان أصدرته رئاسة الحلف، في 29 أكتوبر الماضي، هاجم دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سبق أن اعتدى بعض ضباطها على مجندين من النخبة الحضرمية في معسكر الربوة بمحافظة حضرموت، نهاية أغسطس الماضي.
خلافاً لشعارات وحدة الصف الحضرمي، التي عادة ما تطلقها قيادات الفصائل، تُظهر الوقائع تصدعاً وتضارب مصالح داخل القوى الحضرمية، فلئن قدم بعض الحضارم محافظتهم باعتبارها كياناً ثالثاً، إلى جانب الشمال والجنوب، على ما تقول “ العصبة الحضرمية “، بيد أن حضرموت باتت محل تنازع برز بقوة خلال سنوات الحرب الأهلية التي يشهدها اليمن منذ صيف 2014.
علاوة على طابعها المحافظ، تعد حضرموت أكبر المحافظات اليمنية مساحة، وأغناها في الثروات النفطية، لذلك كانت ولاتزال محل استقطاب محلي وإقليمي محموم لزعاماتها القبلية والدينية والمجتمعية، ومثالهم الأبرز المقادمة والمناصب، وهذا أمر لا يقتصر على حضرموت، بل يجسد حالة عامة أستخدمت فيها الأحزاب اليمنية، منذ وقت مبكر، القبائلية والجهوية والمذهبية في صراعها على السلطة.
سوق استقطابات
تأسس حلف قبائل حضرموت في يونيو 2013، على يد زعيم قبائل الحموم المقدم سعد بن حبريش العليي، الذي قتلته قوة أمنية في الثاني من ديسمبر من ذات العام، لتؤول قيادة الحلف إلى ابن أخيه عمرو بن حبريش. حينها دعا الحلف إلى ما بات يعرف بالهبة الحضرمية الأولى، والتي أفضت إلى السيطرة على معسكرات، وطرد مواطنين شماليين من حضرموت، وإحراق محالهم التجارية.
في أبريل 2017، تم الإعلان عن مؤتمر حضرموت الجامع برئاسة عمرو بن حبريش نفسه. الإعلان جاء بعد جهود قادها “مقادمة منتسبون إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وبمساعدة من المملكة العربية السعودية الساعية لتحقيق أهدافها غير المعلنة في حضرموت”، حسبما يقول لـ”يمن سايت” الناشط السياسي عواد التميمي.
كان الهدف من مؤتمر حضرموت الجامع أن يكون بديلاً لحلف قبائل حضرموت الذي وبسبب تسميته ذات الطابع القبائلي، لم يكن قادراً على استيعاب عموم المجتمع الحضرمي المديني، وفق ماذكر عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر حضرموت الجامع، المنصب عبدالرحمن عبدالله باعباد، في تصريحات منشورة قبل وفاته، وهو ما أكدته أيضاً الهبة الحضرمية الثانية، في بيانها المستنكر لتصريحات بن حبريش.
استخدام بن حبريش لحلف قبائل حضرموت المنحل لمهاجمة الإمارات، يرجع على ما يرى البعض إلى وجود مكونات في مؤتمر حضرموت الجامع، موالية للإمارات.
ورجح مصدر سياسي حضرمي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن يكون تصريح بن حبريش تم بالتوافق مع بقية مكونات مؤتمر حضرموت الجامع، تجنباً لإحراج بعضها أمام الإمارات التي لم تتخذ أي إجراء عقابي بحق ضباطها المتهمين بالاعتداء على مجندين حضارم.
ليس وحده ط بن حبريش من سعى إلى إحياء الحلف المنحل، ففي الرابع من نوفمبر الجاري، عقد عدد من المقادمة، برئاسة أمين عام حلف قبائل حضرموت، اجتماعاً اتفقوا فيه على عزل بن حبريش، وتشكيل لجنة لتسيير أعمال الحلف وإعادة هيكلة قيادته. لكن الصحفي صبري بن مخاشن، المقرب من بن حبرش، قلل من هذه الخطوة.
وباتت المكونات القبائلية والدينية عملة رابحة في سوق الاستقطابات الإقليمية والدولية. ويشكل السلفيون ورجال القبائل عماد القوات التي شكلتها الإمارات والسعودية في مايسمى المناطق المحررة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتبادل فيها المكونات الحضرمية الاتهامات، فعندما أعلن مجموعة من المقادمة بقيادة المقدم عبدالله بن صالح الكثيري، شيخ مشايخ آل كثير، والمحسوب على حزب “المؤتمر الشعبي العام”، عن تأسيس “ مرجعية حلف قبائل حضرموت الوادي والصحراء”، اتُّهم الكثيري، وهو أيضاً، مسؤول حكومي يشغل منصب عضو مجلس الشورى، بشق صف مقادمة حضرموت.
بيد أن الروائي والناشط السياسي عمار باطويل، لا يرى خيراً في تصدر المقادمة المشهد الحضرمي، فبعض هؤلاء “في أعناقهم أموال أناس أكلوها بالباطل”، يقول باطويل لـ”يمن سايت”. ويضيف: “من أكل حقوق الناس لا تنتظروا منه أن يقود حضرموت إلى القمة، بل سوف يقودها إلى الهاوية، مع مراعاة مصالحهم ومصالح قبائلهم”.
من هم المقادمة والمناصب؟
يطلق اسم المقادمة على شيوخ القبائل في حضرموت، لأنهم يتقدمون القبيلة في كل شيء، والمقدم هو مرجعية القبيلة، يقرر الحرب والسلم، وفق أعراف وتقاليد تحكم سلوكه، ومخول بعقد المعاهدات والاتفاقات والأحلاف. ينافسه في النفوذ “المنصب”، وهو لقب يطلق على من يتزعم فئة السادة العلويين الهاشميين. و لا يحمل السلاح ولا مرافقوه، على عكس المقدم، كما لا يُمارس المنصب سلطات ملزمة لأتباعه، لأنه مرجعية دينية، وفق ما يشرح لـ”يمن سايت” الباحث في التاريخ الحضرمي سعيد بارمادة.
إبان الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن، حافظت حضرموت على استقلاليتها من خلال سلطنة القعيطي وسلطنة الكثيري اللتين لم تنضما إلى اتحاد الجنوب العربي.
ومع قيام ثورة 14 أكتوبر 1963، وطرد المستعمر البريطاني من جنوب اليمن، في نوفمبر 1967، عملت الجبهة القومية التي تسلمت السلطة، على توحيد السلطنات والمشيخات، بما فيها حضرموت، تحت مسمى جمهورية اليمن الديمقراطية.
لكن، وبسبب طابعه التقليدي المتجذر، ظل المجتمع الحضرمي أقل المناطق الجنوبية تقبلاً للنهج الاشتراكي العلماني لنظام عدن، الذي وإن شرع في تأسيس محاكم ومؤسسات أمنية حديثة، إلا أن المقادمة والمناصب ظلت لهم “اليد الطولى والقرارات الفاصلة في حل النزاعات”، حسبما يقول المقدم علي بلفاس لـ”يمن سايت”.
عقب حرب صيف 1994 التي انتهت بهزيمة قوات الحزب الاشتراكي، وخروج الأخير من السلطة، شهد جنوب اليمن انتعاشة للرموز القبلية والدينية التقليدية. ومع تدخل السعودية والإمارات في اليمن، بغطاء أممي، زادت حمى استقطاب الرموز التقليدية. فخلافاً لهدف إسقاط انقلاب الحوثيين، الذي رفعه التحالف العربي عند تشكله، ربيع 2015، تخوض السعودية والإمارات -قائدتا التحالف- صراع سيطرة ونفوذ في جنوبي وشرقي اليمن.
وتباينت وجهات نظر الذين تحدث إليهم معد هذا التقرير. ففي حين طالب الناشط سالم باتيس بإقالة المقدم عمرو بن حبريش من منصب وكيل محافظة حضرموت “بسبب إثارته للفتنة، وتنكره للأدوار المهمة التي تبنتها دولة الإمارات في حضرموت”، قال الصحفي صبري بن مخاشن إن الإمارات تنصلت من الاتفاقيات التي جمعتها بحلف قبائل حضرموت عام 2015، وأدخلت قوات عسكرية غير حضرمية إلى المحافظة، ومازالت (الإمارات) مستمرة في إغلاق مطار الريان، ومنع الصيادين من الاصطياد.
وبحسب الرئيس السابق لدار باكثير للصحافة والنشر، عوض كشميم، فإن التوتر السياسي القائم في حضرموت سببه المؤامرات التي تحاك ضد الحضارم.
يقول كشميم لـ”يمن سايت”: “هناك مؤامرة لجعل حضرموت كاملة تابعة للمجلس الانتقالي، بأية وسيلة كانت، وبالتالي إخضاعها كلياً لسياسة الإمارات”.
وكان التوتر بين الإمارات والسعودية تصاعد مع انعقاد الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي في مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، نهاية شهر مايو الماضي، وهو الحدث الذي عده البعض استفزازاً لمعارضي الانتقالي وللسعودية معاً.
على إثر ذلك، استدعت السعودية مكونات حضرمية عدة، بينها مؤتمر حضرموت الجامع، لمشاورات عقدت في الرياض، وانتهت بإعلان “ مجلس حضرموت الوطني “، في يونيو الماضي.
وعلاوة على ضمه مكونات عدة، ودعمه الواضح من قبل السعودية ورئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، يتميز “المجلس الوطني الحضرمي” بالشمول ، فهو “الحامل السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري والأمني الممثل لأبناء حضرموت”، حسب أدبياته. وذلك خلافاً للمكونات القديمة التي طغى عليها الطابع المطلبي. كما بدا أن المكون الجديد يحظى بدعم سفراء دول كبرى، إضافة إلى اليابان والاتحاد الأوروبي.
وتكمن أهمية مجلس حضرموت الوطني ،بالنسبة للسعودية، مع دعم هذه الأخيرة لقوة عسكرية صدر بها لاحقا قرار رئيس مجلس القيادة الرئاسي وتسميتها ب ” قوات درع الوطن”. وهي قوة يراد لها أن تكون موازية لقوات الحزام الأمني التي أسستها الإمارات حسب مايرى البعض. وتحظى حضرموت والمهرة بأهمية جيو استراتيجية للسعودية التي تسعى إلى مد أنبوب نفطي إلى بحر العرب.
لكن كشميم يعتقد أن أبناء حضرموت هم الخاسر الأكبر نتيجة إقحام القبيلة في الصراع الدائر بين الإمارات والسعودية، لذلك ينصح كشميم زعماء القبائل بـ”الحذر والتفكير ببعد عميق ومتزن بعيداً عن الانفعالات والأصوات النزقة”.