سنة 2011، وبينما كانت المنطقة تهتز تحت وقع انتفاضات الربيع العربي، كانت الشابة اليمنية فلة عبدالعزيز الفقيه (34 عاماً) تخطو أولى خطواتها عبر التجارة الإلكترونية، مدفوعة بحماس لا يقل عن حماسة جموع المتظاهرين المطالبين بالحرية والتغيير، بيد أن المآلات سرعان ما اختلفت، فبينما انتهت الانتفاضات بانتكاسة وحروب أهلية كما في اليمن وسوريا وليبيا، ظلت خطوات الفقيه ممتدة إلى الأمام إلى أن صارت سيدة أعمال بارزة يشار لها بالبنان.
عندما انتقلت أسرة عبدالعزيز الفقيه من صنعاء لتستقر بدءاً من عام 2004، في العاصمة المصرية القاهرة، كانت فلة لاتزال في سن السابعة عشرة، حاصلة لتوها على الثانوية العامة من بلدها، إلا أنها عادت لتدرس الثانوية مرة أخرى في الأزهر، ثم تبعتها بشهادة البكالوريوس من جامعة الأزهر تخصص لغة عربية.
بعد تخرجها عملت فلة الفقيه معلمة بمعهد أزهري في محافظة “القاهرة”، بيد أن أفق طموحها كان أوسع من سبورة الدرس الروتيني، وقواعد النحو والصرف، لذلك بدأت خطوتها الأولى، كما تقول لـ”يمن سايت”، عبر بيع الأدوات المنزلية أونلاين لأبناء الجالية اليمنية في مصر.
من الصحون إلى المجالس
تقول فلة: “بدأت العمل بالتجارة الأونلاين، وتخصصت في الأدوات المنزلية، إلى أن درست السوق جيداً، وبات أسمي معروفاً بين أبناء الجالية اليمنية، حينها وجدت زبائني يطالبونني بالعمل في المجالس العربية”.
وتضيف: “كنت أصمم الموديل وأنفذه بالورش المصرية، بمرور الوقت زاد الطلب علي. ونظراً لأن بعض الورش لم تكن تنفذ الشكل المطلوب، قررت افتتاح ورشة خاصة بي، وشاركت مصانع كبيرة”.
لكن طموح الشابة اليمنية لم يتوقف، فما إن حل عام 2020 حتى افتتحت السيدة فلة مصنعها الخاص في المنطقة الصناعية في العاشر من رمضان. يعتمد المصنع على عمال مصريين ويمنيين، وينتج موديلات متنوعة بحسب أذواق ورغبات المستهلكين في الدول المختلفة.
تقول فلة: “أخذنا الأفكار اليمنية ودمجناها في الخامات المصرية، كما حرصت على دراسة أذواق عملائي من مختلف الدول، لأعرف ما يتلاءم مع عاداتهم وتقاليدهم”.
وتضيف: “تطورنا في السنوات الأخيرة بشكل أوسع، لأدخل التاريخ اليمني في صناعتي التي احترفتها وأدخلت عليها التطورات بما يتلاءم مع الذوق المصري والخليجي، إلى أن صار عليها إقبال كبير من قبل أبناء دول “اليمن، الكويت، سوريا العراق، ليبيا، جيبوتي، إثيوبيا والولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً”، أما المصريون فيقبلون على شراء الركنات والمراتب الطبية، فضلاً عن تصميمات قمت بعملها لصالح مؤسسات رياضية كنادي الفروسية بمحافظة الوادي الجديد، ومصالح حكومية كمجمع العاصمة الإدارية بالوادي الجديد”.
انتقادات لاذعة
خلال رحلتها العملية استطاعت الفقيه تكوين صداقات وعلاقات عمل كثيرة لكنها واجهت أيضا انتقادات على خلفية عملها مع الرجال واختلاطها بهم قبل أن تغدو واحدة من أشهر مصنعات المجالس العربية والمغربية والمراتب الطبية، ذاع صيتها في مختلف البلدان العربية بمنتجاتها التي لاقت إعجاب الكثيرين إلى أن وصلت مؤخراً للسوق الأمريكية.
ترى الفقيه أن أفكارها المتحررة، نوعاً ما، ترجع إلى دراستها في مصر وإقامتها فيها لسنوات عدة، حيث اختلطت بشخصيات عامة مصرية، وتعرفت على الكثير منهم خلال عملها، لذا استطاعت أن تواجه المنتقدين لأفكارها ولعملها في وسط الرجال من بيئتها اليمنية.
تقول الفقيه: “هاجموني بعبارات لاذعة كـ: هل زوجك يسمح بذلك؟، هل توافق عائلتك على عملك واختلاطك بالرجال؟ رغم التزامي بالعادات والتقاليد اليمنية”.
وتضيف: بعد نجاحي كف البعض عن انتقاداته، وباتوا يرددون “نحن فخورون فيك وفخورون بعملك ونجاحك وإنجازاتك رغم صغر سنك”.
وقبل أن تصبح مصر وجهة أثيرة لأكثر من مليون يمني هربوا من الحرب الأهلية التي يشهدها بلدهم منذ صيف 2014، كانت فلة التي تحلم بافتتاح سلسلة محلات متخصصة في تصميم المجالس العربية، من السباقين للعمل في مصر التي لطالما ضحى أبناؤها بدمائهم من أجل إسقاط نظام الإمامة وإعلان الجمهورية العربية اليمنية في عام 1962.