قبلنا بالقات بكل ما في هذه الشجرة الخبيثة من أضرار كبيرة على العديد من جوانب الحياة، الاقتصادية والاجتماعية. أما أن يدعو الواحد منا الله أن يصيره مشرفاً في جهنم، فتلك هي القصة التي لم نسمعها سوى على وقع العدوان الصهيوني على غزة.
صحيح أن شجرة القات لم تعد تمثل فقط هماً يومياً متأصلاً للمخزن، وسبباً في حرمان طفل أو غياب فاكهة من المنزل، فأضرار القات لا تنحصر فقط بالوقت والجهد الضائعين في مجالس القات، بل باتساع رقعة زراعته على حساب الأراضي الزراعية.
لقد أضحى متعاطو القات ضحية التجار ومهربي السموم، صار القات مرتبطاً بالموت، وقاتلاً بامتياز.
قبلنا بهذا الهم والمواساة، بمبرر أن القات عامل مانع لانتشار المخدرات، لكن يبدو أن كل ذلك ليس كافياً، وأن كل المبررات التي يتم طرحها لا تشكل عائقاً أمام دخول المخدرات إلى البلد وانتشارها.
مولعة مهولة
المخدرات دخلت البلد بكميات كبيرة وأنواع عديدة، ومتعاطوها صاروا أكثر في السنوات الأخيرة، خصوصاً في أوساط المراهقين والشباب: حبوب وحشيش، ومن الحبوب ما صُنع أصلاً لأغراض علاجية، لكن أسيء استخدامها من قبل كثير من الشباب، وبتواطؤ من أصحاب الصيدليات الباحثين عن الربح السريع، والذين يبيعونها دون وصفة طبية.
رخص ثمنها، وسهولة الحصول عليها، وغياب الرقابة ومكافحة المخدرات، والوضع الذي يمر به البلد، كل هذا ساعد كثيراً على انتشار المخدرات بين الشباب.
ويمكن تقدير حجم المأساة، بل الكارثة، من خلال الإحصائيات الرسمية التي تشير إلى ارتفاع مطرد في قضايا المخدرات والكميات المضبوطة وعدد المضبوطين.
الإحصائيات تقول إن عدد القضايا المتعلقة بالمخدرات ارتفع من 119 قضية عام 2020م، إلى 180 قضية عام 2021م، و221 قضية عام 2022م، لتصل في إجماليها إلى 520 قضية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
طبعاً هذه الأرقام حسب الإحصائيات الرسمية، وما دخل البلد ولم يتم كشفه، كان أعظم.القضية جد خطيرة، وتدعو للنظر بعين الاهتمام إلى الأسباب الحقيقية وراء انتشار أنواع المخدرات، خصوصاً في أوساط الشباب.
فاسد عصامي
بالأمس كان فقيراً، نحيلاً، وضعيفاً، وكان ينام على الحصير في منزل حقير. واليوم صار مشرفاً. صار لديه قصر فخم، وأراضٍ وعقارات في أكثر من مدينة، وصارت الأموال تتدفق من بين يديه أنهاراً.
إن الامتيازات التي يتمتع بها أصغر “مشرف” لا تمنح لأي وزير في أية دولة أخرى، وكل مشرف من حقه أن يتحول من مستأجر إلى مؤجر بين ليلة وضحاها، ومن لا يعجبه هذا الوضع عليه أن يضرب رأسه على أكبر صخرة، الصخرة موجودة في ميدان السبعين.
آمين
في الطريق إلى البيت، مررت على مقبرة النجيمات، في صنعاء، وعند القبر قرأت الفاتحة على روحه، ودعوت له، وقبل المغادرة لم أنسَ أن أضع على قبره وردتين.
بعدها عرجت على جامع الصالح، وصليت ركعتين، وبعد التسليم سمعت رجلاً عجوزاً كان يصلي بجانبي، يدعو الله بصوت مسموع أن ينصر ويعين إخواننا في غزة.
وسمعته يدعو الله دعوة غريبة، رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اجعلني يوم القيامة مسؤولاً مشرفاً على تعذيب الملوك والزعماء والرؤساء العرب، في جهنم، لمدة شهر واحد، واحد فقط.