تشعر الأخصائية النفسية شيماء سلطان، بالحسرة والأسف، في كل مرة يأتيها مريض نفسي، ولا تستطيع مساعدته، بسبب تفاقم حالته. ففي البلد الأفقر والأقل استقراراً في المنطقة العربية، باتت الاضطرابات النفسية واحدة من نتائج الحرب الأهلية التي يشهدها اليمن منذ 21 سبتمبر 2014. وهي حرب ما كانت لتنشب أصلاً، لو لم تسعَ إليها النخب السياسية الفاسدة بتواطؤ من الأمم المتحدة، وفق ما أكدت دراسة نشرتها في 2017 المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات.
علاوة على أكثر من 350 ألف يمني قضوا بشكل مباشر أو غير مباشر، نتيجة الصراع، حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ تسببت الحرب أيضاً، في ارتقاع عدد المصابين باضطرابات نفسية وعقلية، إلى أزيد من 5.5 مليون شخص، وفق منظمة الصحة العالمية.
يقول الطبيب النفسي مهيوب المخلافي، لـ”يمن سايت”: “الحرب الجائرة في البلاد أثرت كثيراً على مختلف فئات المجتمع، بخاصة النساء والأطفال، إذ واجهتهم مشكلات نفسية وصحية”. مشيراً إلى اضطرابات عدة تمت ملاحظتها مثل: “الفزع الليلي، والقلق النفسي، والشعور بعدم الراحة”، ما يؤدي -حسب قوله- إلى “الإصابة بالفوبيا (الخوف المرضي) من الأصوات والظلام، وظهور بعض الاضطرابات السلوكية، ومشكلات في الكلام، واضطرابات في الأكل”.
والأطفال والنساء هم أكثر الفئات تعرضاً للصدمات النفسية جراء الحرب، نظراً لـ”ضعفهم وهشاشتهم كفئات ضعيفة وحساسة تجاه الأحداث الصادمة والمؤلمة التي يتعرضون لها”، حسبما تقول لـ”يمن سايت” مدير مركز الإرشاد والبحوث النفسية في جامعة تعز، الدكتورة أحلام حزام.
أمراض سيكوسوماتية
أستاذ علم النفس في جامعة تعز، ومدير “مؤسسة التأهيل النفسي”، الدكتور جمهور الحميدي، كشف في حديثه لـ”يمن سايت”، عن انتشار أعراض جسمية ناتجة عن صدمات نفسية. موضحاً أن جلساته مع عدد من الحالات أظهرت وجود أطفال يعانون من سكر طفولي وفشل كبدي أو كلوي، واضطراب النوم والتبول اللاإرادي، وفرط الحركة والنشاط الزائد، “وأغلب هذه السلوكيات لم تكن لديهم قبل الحرب”، يقول الحميدي.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن واحداً من كل أربعة يمنيين يعاني من مشاكل عقلية ونفسية، بسبب النزاع المسلح. وتزداد معاناة هؤلاء مع وجود نقص حاد في عدد المتخصصين في الطب النفسي، إذ يقدر عدد الأطباء النفسيين في اليمن بحوالي 58 طبيباً، بمعدل طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص. إضافة إلى 120 استشارياً نفسياً، حسب تقديرات 2020 .
تقول لـ”يمن سايت”، شيماء سلطان، التي تعمل اختصاصية نفسية لدى منظمات إنسانية في تعز، إنها تجد نفسها أحياناً غير قادرة على تقديم الإرشاد النفسي لحالات تصل إليها وقد تفاقم وضعها النفسي، وتحتاج إلى تدخل من طبيب مختص في العلاج النفسي.
ووفقاً للدكتورة حزام، فإن ندرة الأطباء والمختصين في مجال الصحة النفسية في اليمن، ترجع إلى عوامل عدة، أبرزها الوصمة المجتمعية التي تواجه الأطباء والعاملين المتخصصين في الصحة النفسية، إذ يعاملهم المجتمع بطريقة قاصرة، وينظر إليهم باعتبارهم يعانون من مشكلة نفسية، مما يؤثر على اهتمام المجتمع لتطوير هذا المجال، حسب قولها.
وترى حزام أن للنزاعات المسلحة دوراً في تفاقم المشكلة، إذ زادت الحاجة إلى الكوادر المؤهلة في مجال الصحة النفسية، كما أن الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها اليمن، جعلت من الصعب جذب الكوادر المؤهلة في هذا المجال أو الاحتفاظ بهم.
ثقافة غيبية
وعلاوة على ندرة المتخصصين في الطب النفسي، يُتهم بعض الممارسين للمهنة بتغليب الثقافة الغيبية في عملهم.
واشتكى الدكتور الحميدي، من “انتشار المراكز التي تدعي تقديم العلاج النفسي، لكنها في الحقيقة تستغل الناس، وتنتحل الصفة العلاجية النفسية”.
واتهم مراكز لم يسمِّها بتقديم العلاج “تحت غطاء ديني مزيف، وتزعم أن المشاكل النفسية ما هي إلا مس وعين (…)، وهذا الأمر يعد استغلالاً”، حسب تعبير الحميدي الذي طالب بوضع استراتيجية وطنية للتعامل مع الجوانب النفسية وكيفية رعايتها، ووضع أساليب منهجية للتعامل مع الحالات المرضية.
ووفقاً للدكتورة حزام، فإن تأثيرات الحروب القاسية لا تقتصر على الجانب النفسي والعقلي فحسب، بل تجعل النساء والأطفال عرضة للاستغلال والعنف وانتهاك حقوقهم داخل الأسرة وفي المجتمع.
كما يلعب العنف المرتبط بالحروب والنزاعات الأسرية دوراً خاصاً ومستقلاً في تفاقم الأمراض والاضطرابات النفسية المختلفة لدى النساء والأطفال، حسبما ترى حزام. مشيرة في هذا الصدد إلى شيوع اضطراب ما بعد الصدمة وأعراض الاكتئاب.
وخلال السنوات السابقة، سجلت حالات انتحار وتفكك أسري يعتقد أنها ناتجة عن الضغوط المعيشية، خصوصاً مع استمرار سلطات الحرب منذ نهاية 2016 ، في وقف صرف رواتب أكثر من مليون موظف يشكلون مع عائلاتهم ربع السكان، حسب تقديرات البنك الدولي.
وفيما تؤكد حزام وجود صعوبة تواجهها العديد من النساء في الوصول إلى الرعاية النفسية؛ بسبب معارضة الأسرة، الناتجة عن نظرة المجتمع السلبية إلى المريض النفسي، تقترح شيماء سلطان تعليم هؤلاء المرضى، مهارات جديدة تساعدهم في التغلب على التحديات الناجمة عن الاضطرابات النفسية والآثار السلبية للحرب.
من جهته، يدعو الحميدي إلى ” إجراء دراسات مسحية لتحديد المناطق التي تشهد ارتفاعاً في حالات الاضطرابات النفسية، وتحديد نوع هذه الاضطرابات من خلال فهم أسباب هذه المشاكل وتحليل النتائج المتعلقة بها”.