نريد أن يهتموا بنا الآن ونحن أحياء، أما بعد أن نموت لا نريد شيئاً”، يقول طارق حسن ( 34 عاماً)، وهو أحد السكان في مدينة ضحيان في محافظة صعدة التي تشهد مديرياتها، منذ أغسطس الماضي، تفشياً غير مسبوق لوباء حمى الضنك، يضاهي في درجته تفشي الكوليرا الذي شهده اليمن في عام 2016 ، حسبما تؤكد مصادر طبية، فيما تتكتم السلطات التابعة لحكومة صنعاء غير المعترف بها دولياً، عن حقيقة الوضع الصحي في صعدة برغم توقف القتال بين أطراف الصراع منذ أبريل 2022 .
وتشير بيانات موثقة إلى وفاة ما لا يقل عن 13 شخصاً بحمى الضنك في مديرية “مجز” و 5 وفيات في مديرية “شدا”، حسبما يؤكد لـ”يمن سايت” الدكتور سالم مفرح الذي يعمل طبيباً في مكتب الصحة في محافظة صعدة. موضحاً أن حالات الإصابة التي تم توثيقها خلال شهري أغسطس وسبتمبر، بلغت 290 حالة إصابة في مديرية مجز، وأكثر من 200 حالة إصابة في مديرية شدا. وفي شهر أكتوبر وحده سجلت حوالي 300 حالة إصابة في ضحيان.
وعلى الرغم من الإبلاغ المبكر عن تفشي حمى الضنك، وتوثيق الحالات المُبلغ عنها عبر برنامج “الأديوز” المرتبط بوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية، حسبما يؤكد مفرح، إلا أن سلطات صنعاء أبدت تكتماً ولامبالاة بحياة الناس.
وفيما امتنع وكيل وزارة الصحة لقطاع الرعاية الصحية محمد المنصور، ومدير مكتب الصحة في المحافظة يحيى شايم، عن التعليق على ما جاء في هذا التقرير، اكتفى مساعد منسق برنامج التحصين في مكتب الصحة بالمحافظة شايف الشريف، بالقول: “الموت من الله، والأعمار بيد الله، ومن مات فقد حانت ساعته، وليس هناك موت بسبب حمى الضنك”.
قبضة أمنية
وتسببت الحرب الأهلية التي يشهدها اليمن منذ صيف 2014 ، في انهيار القطاع الصحي، ووقوع أكثر من 80 % من السكان تحت براثن الفقر والمرض. وتفرض القوى العسكرية والسياسية والقبلية التي تسيطر على صنعاء ومعظم مناطق الشمال، قبضة أمنية حديدية، وتتهم بممارسة العنف المتكرر ضد العاملين في المجال الإغاثي، ونهب المساعدات وتسخيرها لمجهودها الحربي، حسبما تقول منظمة مواطنة ومنظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش، ما حال دون وصول المساعدات إلى مستحقيها، وتعريض حياة العاملين الإنسانيين للخطر.
في 26 أكتوبر الجاري، أعلنت منظمة رعاية الأطفال عن تعليق عملياتها في شمال اليمن، احتجاجاً على وفاة موظفها هشام الحكيمي ( 44 عاماً)، في سجن المخابرات في صنعاء. والحكيمي واحد من العاملين في المجال الإنساني اعتقلتهم صنعاء منذ شهور، بينهم ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة لا يعرف مصيرهم، حسبما تقول الأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي .
ويصف طبيب في مستشفى السلام السعودي في صعدة، طلب عدم نشر اسمه، لدواعٍ أمنية، الوضع قائلاً: “ما نشهده اليوم يعيد إلى ذاكرتنا ما كان جارياً أثناء انتشار وباء “كورونا”، إذ نخضع لرقابة مشددة من قبل عناصر مسلحة تابعة لأنصار الله، حيث يُمنع استخدام الهواتف ومعدات التصوير والتسجيل في المستشفى، خصوصاً منذ بداية انتشار حمى الضنك، وهناك تستر من قبل السلطات لمنع معرفة حجم ومناطق انتشار الوباء وأعداد الإصابات والوفيات”.
وفي وقت تتزايد فيه معاناة المرضى وارتفاع أعداد المصابين بحمى الضنك، تفتقر الكثير من المراكز الطبية في المحافظة للأدوية والخدمات الطبية اللازمة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين بحمى الضنك.
يقول مفرح: “مركز مديرية مجز في أمس الحاجة إلى دعم عاجل من وزارة الصحة ومكتب الصحة بالمحافظة، حيث مضى على المركز أكثر من أسبوع بدون مغذيات، وهو الآن بأمس الاحتياج إلى المغذيات، لأنها لازمة لمريض حمى الضنك”، ويضيف: “طلبنا الدعم من مكتب الصحة بالمحافظة وإرسال العلاجات، لكنه لم يصلنا أي دعم حتى هذه اللحظة” .
قمامة ولامبالاة
وحمى الضنك هي عدوى فيروسية ينقلها البعوض، وتنتشر بشكل كبير في المناطق المدارية. وتظهر الأعراض غالباً خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و 14 يوماً بعد الإصابة بالعدوى، وقد تشمل حمى شديدة وصداعاً وتقيؤاً وآلاماً في العضلات والمفاصل وطفحاً جلدياً.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لا يوجد علاج محدد لحمى الضنك، لكن تشخيص المرض في المراحل المبكرة المصاحبة لحمى الضنك، من شأنه تقليص معدل الوفيات إلى ما دون الواحد في المائة.
تمثل القمامة المتراكمة والمخلفات وطفح البالوعات أحد الأسباب الهامة لانتشار المرض، مع غياب الخدمات الصحية، وضعف الوعي المجتمعي، ضاعف كل ذلك من المعاناة للمواطنين، إلا أن السبب الأكبر في انتشار المرض هو تهاون وزارة الصحة، وإهمال السلطات المحلية، حسبما اشتكى سكان.
يقول لـ”يمن سايت” عبدالسلام الضحياني، وهو أحد السكان في ضحيان: “السلطات تقاعست عن رش المناطق الحساسة التي تتحول إلى بؤرة لانتشار البعوض المسبب والناقل للمرض، وعند احتياجنا لمساعدة الجهات المسؤولة، وفي ذروة انتشار المرض، لم تحرك الجهات المعنية ساكناً، عكس ما يحصل دائماً”.
ويقارن عبدالسلام بين الوضع هذا العام وما حصل العام الماضي عندما نفذت حملة رش عبر فرق ميدانية بتمويل من إحدى المنظمات، ما أدى إلى عدم تسجيل إصابات، بينما اكتفت السلطات هذا العام بالفرجة، ولم تبادر بتنفيذ عمليات رش محدودة سوى يومي 17 و 18 أكتوبر الجاري.
لكن الحملة جاءت بعد أن انتشر الوباء بشكل يصعب السيطرة عليه. يقول مفرح: “مدينة ضحيان شهدت انتشاراً مخيفاً للمرض خلال شهر أكتوبر الحالي. مئات الإصابات بحمى الضنك سجلت في مدينة ضحيان، وحالات الإصابة تفوق الطاقة الاستيعابية للمستشفيات”.
مصدر طبي في مركز مديرية مجز، طلب عدم الكشف عن هويته، أكد لـ”يمن سايت” تهاون الوزارة والجهات المعنية قائلاً: “حمى الضنك بدأت قبل ما يقارب ثلاثة أشهر في أرياف المحافظة، وبأعداد محدودة جداً، وبناءً على هذه الإصابات القليلة، تم الرفع بالحالات إلى وزارة الصحة، ووعد الوزير بنفسه، قبل شهرين، خلال اجتماع له مع محافظ المحافظة وبعض المسؤولين، بأنه سيتم إنزال فريق مع معدات الرش وخطة لمواجهة الوباء ومكافحته”.
بيد أن ما حصل، حسب المصدر نفسه، هو أن “الفريق نزل دون خطة، ونفذ عملية رش محدودة في مدينة ضحيان، وتصوروا (التقطوا صوراً)، وعادوا من حيث جاؤوا، دون الوفاء بالالتزامات الأساسية لمكافحة الوباء، ومن يومها إلى اليوم وحالات حمى الضنك في تزايد مع وجود وفيات”.