لأنني أهبل وعلى نياتي، صدقت المطالب والشعارات التي كانوا يرفعونها وينادون، بها: مثل إسقاط الجرعة، والقضاء على الفساد من جذوره، وتعيين حكومة كفاءات.. وبناء الدولة المدنية الحديثة!
فخرجت معهم في مظاهرة، أي والله خرجت، وهتفت.. لكني لم أصرخ.
وفي كل المجالس والمقايل، وبمناسبة وبدون مناسبة، كنت أدافع عنهم.. وهذا الأمر جعلني أخسر زملاء وأصدقاء أعزاء!
فرحت كثيراً عندما عينوا مشرفاً منهم في المؤسسة الصحفية التي أعمل بها.. واستبشرت خيراً عندما علمت أن أول إجراء له هو زيارة الأرشيف المالي.
لكن ما حصل بعد ذلك صدمني وآلمني وأحزنني، فما إن استتب الأمر لهم، وأحكموا السيطرة على مرافق ومؤسسات الدولة.. وعلى المعسكرات.. حتى أظهروا الوجه الحقيقي، وكشروا عن أنيابهم ومخالبهم.
ذلك المشرف تعين نائباً لرئيس التحرير للشؤون المالية، وهو لا يحمل أي مؤهلات علمية ولا خبرة عملية، واتضح أنه دخل الأرشيف المالي ليتعلم أصول الفساد، لا ليكشف ويفضح ويحاسب الفاسدين!
وفي أول يوم لتعيينه قام بجولة حول مبنى المؤسسة، واقترح على الموظفين والصحفيين حفر بئر ارتوازية في أرضية المؤسسة، وبيع الماء للوايتات (سيارات بيع المياه).
وأهان زوجة أحد الموظفين أمام الجميع، لأنها جاءته تطلب مساعدة على ذمة مستحقات زوجها، تعينها على علاجه من الإصابة التي تعرض لها من رصاصة راجعة، فرفض متحججاً أنهم في صعدة كانوا يعانون ولا أحد يقدم لهم أية مساعدة!
وفي الأيام الأولى لاجتياحهم صنعاء، تأثرت كثيراً عندما استوقفني في الشارع صبي في الخامسة عشرة من عمره تقريباً، يحمل على كتفه بندقية كلاشينكوف، وطلب مني الابتعاد عن وسط الشارع والمشي تحت البنايات حتى لا تصيبني رصاصة “راجع” قد تودي بحياتي كما حصل مع كثير من المارة!
ذلك الصبي الذي خاف عليَّ، شاهدته بعد فترة في مقطع فيديو، يعتدي على بعض أصحاب محلات بيع الملابس في شارع هائل، ويصادر مجسمات لعرض الملابس النسائية أمام المحلات، بحجة أنها حرام، وتسبب فتنة، وتخدش الحياء العام.
أنا إنسان بسيط، وأحلامي ومطالبي وأمنياتي مثلي بسيطة.. لا أفهم هذه السياسة القذرة.. سياسة تفجير منازل الخصوم، واقتحام المنازل وتشريد النساء والأطفال.. وسياسة دس ثقافة الموت في المناهج الدراسية والكتب والمجلات الخاصة بالأطفال.. وسياسة إرسال الصبيان للجبهات.. وسياسة تقسيم المدينة إلى قطاعات، وكل قطاع يتولاه مشرف، لنهب وابتزاز التجار والمحلات التي تحت سيطرته، ويفرض أتاوات بدون أي مسوغ قانوني أو أخلاقي!
إن أصبت أنا أو أحد أفراد أسرتي بمرض، أريد أن نجد مستشفى نظيفاً تتوفر فيه الأجهزة والمعدات الطبية الحديثة، وأتعالج على أيدي أطباء مؤهلين.
وأريد أن يدرس ابني في مدرسة بها وسائل تربوية تعليمية حديثة، ويقرأ مناهج سليمة غير محرفة، ويقرأ معلومات سليمة عن تاريخ وطنه.
أريد إن كانت لديّ أية معاملة في أية جهة حكومية، ألا أضطر لدفع رشوة لإنجازها. وقبل كل هذا وذاك، أريد أن أشعر في وطني بالأمن والأمان.
ما جرى تحت سقيفة بني ساعدة، لا علاقة لي به، والخلاف بين علي ومعاوية والحسن ويزيد لا يعنيني، والطريقة التي مات بها الحسين والحسن ومن قتل عثمان وعلي، لا شأن لي به. وما جرى في الغدير لا يخصني.
كل ما يهمني ويعنيني هو أن ما أستلمه في الشهر بالكاد يكفيني مصاريف أسبوع واحد، وبقية الشهر أعيش على المعونات والمساعدات.. والديون.
* أضحكني كثيراً الحديث عن السلام مع جماعة لا تؤمن بالحرية والديمقراطية والانتخابات، وتعتبر الحكم حقاً إلهياً محصوراً فيها.
يبدو أنني لست الوحيد الأهبل وعلى نياتي!