لو قيض لمؤسس تنظيم القاعدة وزعيمه السابق، أسامة بن لادن، مشاهدة ثورة الغضب في وجوه شبان اليمن، فالأرجح أنه سيشعر بالطمأنينة على مستقبل تنظيمه الجهادي الذي طالما أرق حكومات الغرب. فالولايات المتحدة التي قتلت بن لادن (مايو 2011)، وسعت إلى القضاء على تنظيمه، ها هي تُحييه ثانية ، وتعيد الروح للتنظيم الإرهابي الأول ، من خلال دعمها المباشر لعمليات التطهير العرقي التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وفق ما يراه الذين تحدث إليهم “يمن سايت”.
عندما نفذت حركة حماس عملية “طوفان الأقصى” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، يوم 7 أكتوبر الماضي، كان للطالب في جامعة عدن توفيق سعيد (22 عاماً) اعتراضات ، خصوصاً لجهة قتل مدنيين إسرائيليين ، أما الآن فقد تغير موقف سعيد 180 درجة، وصار يرى في أمريكا وحكومات الغرب “نسخة غربية عظمى من تنظيم القاعدة وداعش”، كما يقول ل”يمن سايت”. متذمراً من الاستنفار الأمريكي الأوروبي لدعم إسرائيل ، والذي وصل إلى درجة تعطيل مشروع قرار أممي يدعو لوقف اطلاق النار.
ويرى المحلل السياسي، عبدالواسع الفاتكي، أن الشباب اليمني أدرك من خلال جرائم الاحتلال الإسرائيلي وتواطؤ ودعم الدول الغربية معه، زيف ادعاءات هذه الدول المتشدقة بحقوق الإنسان والديمقراطية.
ويوضح أن ممارسة الغرب النفاق السياسي والكيل بمكيالين، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعرب وقضاياهم “رسخ لدى الشباب اليمني قناعة أن الغرب لن يفهم إلا لغة القوة والكفاح المسلح لانتزاع الحقوق والحفاظ على كينونة الأمة العربية”، يقول الفاتكي ل”يمن سايت”.
حمى الجهاد
وحذر اختصاصيون من قنبلة جهادية يمكن أن تخلقها مشاعر الإحباط والغضب التي تنتاب الشباب اليمني والعربي المتابع لمجريات العدوان الإسرائيلي على غزة .
يقول ل”يمن سايت” أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز، ياسر الصلوي : “يمكن لأحداث فلسطين أن تدفع بالشباب بقوة إلى أحضان الجماعات المتطرفة، لأن الشعور بالعجز والإحباط إزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، يدفعهم إلى الجهاد، خصوصاً في ظل هيمنة المنظور الديني”.
وبحسب الصلوي، يعد الشباب اليمني الأكثر تأثراً من غيره، وذلك نتيجة الظروف والمعاناة التي مر بها من حرب وقصف وتشرد، فهي ظروف مشابهة إلى حد ما مع ما يحدث في غزة، مما يجعل الشباب اليمني أكثر تعاطفاً وتأثراً معها.
لكن التأثير السلبي للعدوان على غزة، وفق الصلوي، لن يقتصر على انخراط الشباب في الجماعات المتطرفة فحسب، بل “يمكن أن تتولد لديهم حالة من النقمة والغضب، تجعلهم يشكلون جماعات لتغيير الأنظمة العربية من خلال العنف”.
يقول الصلوي: يمكن وبكل سهولة تحريض الشباب العربي ضد أنظمتهم من خلال عرض عجزها بأنها أنظمة فاسدة لم تستطع أن تقدم الحد الأدنى من الدعم المطلوب للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية مركزية للأمة العربية، وقضية إسلامية، خصوصا ً وأن موقف بعض الدول لم يتوقف على كونه موقفاً سلبياً، بل تعداه للمشاركة، بصورة خفية وغير مباشرة، في خدمة العدو الإسرائيلي على إبادة غزة.
في حديثه ل”يمن سايت” يؤكد أستاذ علم النفس في جامعة تعز، ومدير “مؤسسة التأهيل النفسي”، الدكتور جمهور الحميدي، أن الشباب هم الفئة الأكثر متابعة وولعاً لمشاهد الحرب في قطاع غزة. موضحاً أن هذه المشاهد تترك آثاراً عميقة من شأنها أن تؤدي إلى اضطرابات مستقبلية وتنامي ظاهرة العدوان لديهم .
ووفقاً للحميدي، فإن أحداث غزة التي تسببت حتى الآن في مقتل أكثر من 11 ألف مدني معظمهم من الأطفال والنساء، حسب آخر الإحصاءات، هي “أحداث غير طبيعية لما تحدثه من ألم نفسي كبير لدى الشباب، وهذا الألم يرافقه مقاومة كبيرة يمكن أن تصل بالفرد إلى التعامل بعدوانية مع مختلف مجريات حياته سواءً في الأسرة أو في مجالات الدراسة”.
ويرى الحميدي أن مدمني مشاهدة الأحداث المؤلمة من الشباب، هم الأقرب لأن ينجروا لأي تنظيم أو جماعة إرهابية قد تستقطبهم .
عليكم باليمن
نظراً لكونها بلداً بكراً وأقل البلدان العربية تأثراً بالحضارة، علاوة على طبيعتها الجبلية الوعرة، كانت اليمن الوجهة المثلى التي نصح بها مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنا ، أتباعه في النصف الأول من القرن العشرين، وهي ذات النصيحة التي كررها لاحقاً أسامة بن لادن، المتحدر من أصول حضرمية.
عقب تفجير المدمرة “يو إس إس كول”، في سواحل عدن (أكتوبر 2000 ) ، واشتراك يمنيين في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001 ، صُنفت اليمن، أمريكيا ً ، كدولة ثانية بعد أفغانستان في احتضان التنظيمات الجهادية.
وعلى الرغم من مشاركة اليمن في الحرب الدولية ضد الإرهاب ، لدرحة فتح الأجواء اليمنية للطائرات الأمريكية المسيرة، وتسجيل دعم شعبي مناهض للإرهاب، إلا أن الحكومات الغربية سرعان ما صدمت الشعب اليمني بتحويلها ثورة 11 فبراير الشبابية السلمية ، إلى حرب أهلية مستمرة منذ 21 سبتمبر 2014 .
وهي حرب مفتعلة ما كانت لتنشب أصلاً لو لم تسعَ إليها حكومات الغرب والنخب اليمنية الفاسدة، حسبما تؤكد دراسة للمؤسسة الدولية للديمقراطية.
لهذا السبب تقريبا ً، بدا العدوان على غزة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وجعلت الجميع يكفر بديمقراطية الغرب، وفق ما يقوله ل”يمن سايت” علي ردمان ( 33 عاماً)، وهو أحد الناشطين في ساحة الحرية في تعز؛ المدينة التي تواصل قوات سلطات صنعاء الانقلابية محاصرتها منذ 2015 .
يقول الصلوي: “المشاهد الدموية التي يراها الشباب تولد لديهم شعوراً بالعجز والظلم على حد سواء، مما قد يدفعهم للتصرف بطرق مختلفة يعتقدون أنها تمثل نصرة للفلسطينيين، وهذا التصرف يمكن أن يوجه نحو التطرف الفكري، ويعرضهم لخطر الانضمام إلى جماعات تدعو إلى الجهاد ضد إسرائيل أو ضد المصالح الغربية والأمريكية .
محور “حسن زميطة”
وكان يمنيون وعرب كثر عولوا على ما يسمى محور المقاومة، الذي تقوده إيران وحلفاؤها في صنعاء ودمشق ولبنان، وهو المحور الذي طالما رفع راية تحرير فلسطين، وأطلق على بعض تشكيلاته العسكرية تسميات ذات صلة بالقضية مثل “فيلق القدس”.
والجمعة قبل الماضية، سادت حالة ترقب وانتظار للكلمة المتلفزة لزعيم حزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، وهي الكلمة التي توقعت وسائل إعلام مثل صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن يبلغ عدد مشاهديها عدد مشاهدي مباريات الكلاسيكو الإسباني والإنجليزي مجتمعين، لكن الزعيم الشيعي خيب آمال جماهيره الذين كانوا ينتظرون منه إعلان حرب على إسرائيل ، على غرار ما فعل صيف 2006 .
ولم تمضِ دقائق على الكلمة حتى تحول البطل القديم إلى موضوع للسخرية والتندر. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات لاذعة مذيلة بوسم “#حسن_زميطة”، والزميطة تسمية شعبية تطلق في اليمن على نوع من البالونات تحدث صوتاً عند نفخها.
موجة السخرية والنقد طاولت أيضا ً مليشيا الحوثيين (حركة أنصار الله) التي بدلاً من أن تضغط على إسرائيل والغرب من خلال مضيق باب المندب، ذهبت إلى إطلاق مسيرات وقذائف نحو ميناء إيلات، ما جعل مقذوفاتها -نظراً لبعد المسافة- أشبه بمفرقعات الأعراس، حسب وصف مغردين.
ويرى المحلل السياسي، الفاتكي، أن المواقف العربية الرسمية أصابت الشعوب العربية بصدمة كبيرة جعلتها تشعر بالإحباط والخذلان والعار، وهي ترى جيوش بلدانها وقياداتها عاجزة حتى عن الضغط لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف إطلاق النار .
وما زاد طين الإحباط بلة ، هو الانكشاف “المخزي للمجتمعات والهيئات الإنسانية الدولية التي انحازت بشكل سافر للصهاينة، أو وقفت وقفة المتفرج” ، يقول الفاتكي . مشيراً إلى أن كل هذا جعل الشعوب العربية “تفكر في أن القوة والعنف قد تكون هي إحدى الوسائل التي ستجعل هذه المجتمعات تسارع في الاستجابة، وتتعامل بجدية مع الملف الفلسطيني “.