يوم 19 نوفمبر 2022 ، وأثناء صعوده طائرة الخطوط الجوية اليمنية المتجهة من عدن إلى العاصمة المصرية القاهرة، كان فهد جبار وشقيقه أحمد يحملان تذكرتي سفر اشترياهما من السوق السوداء بقيمة ثلاثة آلاف دولار، لكنهما فوجئا بعدم توفر مقاعد، ما اضطرهما إلى القعود على أرضية الطائرة، بحيث تحولت الرحلة إلى وبال عليهما، خصوصاً أحمد المريض الذي كان مسافراً لغرض إجراء عملية قلب مفتوح، حسبما يقول جبار لـ” يمن سايت”.
غير جبار وشقيقه مسافرون كثر من اليمن وإليها يعانون من سوء خدمة طيران اليمنية وطيران الملكة بلقيس اللتين تحتكران الخدمة منذ أوقفت شركات الطيران العربية والأجنبية رحلاتها إلى اليمن بسبب الحرب الأهلية التي يشهدها البلد على خلفية انقلاب 21 سبتمبر 2014.
خطف وتراجع
وتسبب الصراع الدموي على السلطة في انهيار اقتصاد البلد الأفقر والأقل استقراراً في المنطقة، وتوقف رحلات الطيران المدني من مختلف المطارات، باستثناء مطاري عدن وسيئون، وتراجع أعداد المسافرين على خطوط طيران اليمنية بنسبة تصل إلى 70% قياساً بما كانت عليه قبل 2015 ، حسبما يؤكد لـ” يمن سايت” المدير التجاري للخطوط الجوية اليمنية، محسن حيدرة.
ويقول لـ” يمن سايت” المحلل الاقتصادي فارس النجار: “ تعطيل المطارات اليمنية واختطاف الأجواء وغلق المنافذ البرية ضاعف من معاناة اليمنيين بشكل لم يعد باستطاعة الكثير منهم احتماله، خصوصاً المرضى والطلاب المبتعثين إلى الخارج والقطاع التجاري ورجال الأعمال والمغتربين”. واصفاً إغلاق المطارات بالكارثي.
خلال الفترة 2016- 2019 ، بلغ عدد الرحلات من وإلى مطار عدن الدولي، نحو 1429 رحلة، مقارنة بـ 7123 رحلة شهدها المطار نفسه في الفترة 2010- 2015 ، وفق ما يذكر لـ” يمن سايت” مدير إدارة الشحن في طيران اليمنية، هاني القرشي.
وعلى الرغم من تراجع أعداد المسافرين جواً، إلا أن أسعار تذاكر الطيران ارتفعت بشكل مهول. تتراوح قيمة التذكرة من عدن إلى مصر بين 700 و 800 دولار، حسبما يقول لـ” يمن سايت” ، مسؤول العلاقات العامة في طيران اليمنية محمد فاروق. بينما تبلغ قيمة التذكرة لنفس الرحلة على متن طيران شركة بلقيس 770 دولاراً، وفقما يؤكد لـ” يمن سايت” مدير عام الإدارة التجارية في شركة بلقيس، أنور السروري.
إقرار بالفساد
يقر المدير التجاري في شركة الخطوط الجوية اليمنية محسن حيدرة، بتفشي الفساد داخل شركته، مشيراً إلى أن حصر بيع التذاكر باليمنية أوجد موظفين يبيعون التذاكر عبر وسطاء بأسعار مضاعفة، مرجعاً هذا الوضع إلى ممارسات الإدارات السابقة، “ لكن الآن بعد مجيء الكابتن ناصر محمود قاسم خلفاً عن الكابتن أحمد العلوان، نحاول أن نبذل أقصى الجهود الحثيثة للقضاء على هذا الفساد المستشري” ، يقول حيدرة.
ويواجه قطاع النقل الجوي في اليمن أزمات بنيوية، أبرزها عدم وجود استراتيجية واضحة لتطوير البنية التحتية للمطارات ومحدودية القدرات المؤسسية في إدارة سياسات النقل الجوي، حسب حيدرة. ويتكون أسطول الخطوط الجوية اليمنية من ثلاث طائرات. وخلال شهري أغسطس وأكتوبر الماضيين فقط أضافت “اليمنية” 3 طائرات أيرباص إلى أسطولها.
بينما يحتاج اليمن إلى ما لا يقل عن عشرين طائرة لتغطية النقص الحاد للرحلات، والحد من معاناة المسافرين، وفق ما يرى المدير التجاري في شركة بلقيس أنور السروري، الذي تعتمد شركته في رحلاتها على طائرة واحدة مستأجرة.
وأدى خروج طيران اليمينة من منظمة الطيران الدولية ( IATA )، في عام 2015 ، وتصنيف اليمن وجهة غير آمنة، إلى رفع نسبة التأمين على “اليمنية” من 250 ألف دولار إلى مليون دولار في السنة، وهو فارق يتحمله المسافر الذي يدفع 133 دولاراً تأميناً ضمن كلفة التذكرة، ومع إعادة فتح مطار صنعاء أمام طيران اليمنية، فرضت سلطات صنعاء غير المعترف بها دولياً 50 دولاراً على كل تذكرة، كما احتجزت أموال الشركة في بنوك صنعاء، حسب حيدرة الذي اشتكى أيضاً من ارتفاع سعر وقود الطائرات.
وتبلغ إيرادات شركة الخطوط الجوية اليمنية نحو 133 مليون دولار سنوياً، فيما تصل الضرائب إلى 19 مليون دولار، وفق حيدرة. لكن المحلل الاقتصادي وفيق صالح، شكك في ذلك. مشيراً إلى أموال ضخمة تجنيها “اليمنية” أكبر من الأرقام المعلنة، قائلاً لـ”يمن سيات” إن الصعوبات التي تواجهها اليمنية لا تعفيها من خفض الأسعار الجنونية.
ما بين حصارين
وتقتصر رحلات طيران اليمنية حالياً على سبع وجهات هي: الرياض، مومباي، أديس أبابا، عمان، القاهرة، جدة، وجيبوتي. ويقول لـ”يمن سايت” سيف راشد، وهو مغترب يمني في الولايات المتحدة الأمريكية، إنه وأثناء محاولته اللجوء إلى المهجر، تفاجأ بإلغاء رحلته بدون تنبيه مسبق، مرجعاً ذلك إلى وجود سوق سوداء باتت تحكم خدمات “اليمنية”.
وبحسب الخبير الاقتصادي وحيد الفودعي، فإن الأموال التي تحصل عليها طيران اليمنية ونظيرتها بلقيس لا تسخر لتجويد الخدمة وإصلاح الخلل في أسعار التذاكر، “وإنما تذهب إلى جيوب نافذين”، يقول الفودعي لـ”يمن سايت”.
وألقى الصراع العنيف على السلطة بظلاله على ملايين المدنيين الذين وجدوا أنفسهم في وطن قطعت أوصاله إلى كانتونات محكومة بمليشيات حزبية. ولئن شكل فتح مطار صنعاء في أبريل 2022 ، بعد ثماني سنوات من إغلاقه، انفراجة،
إلا أن محافظات كبيرة مازالت تواجه صعوبات في التنقل البري والجوي، مثل تعز والحديدة اللتين تضمان مجتمعتين 23.2 % من إجمالي عدد سكان اليمن البالغ أكثر من 30 مليون نسمة. وتزداد المعاناة مع تعز المحاصرة برياً منذ 2015 من ثلاث جهات.
وخلال سنوات ما قبل الحرب، ظل مطار صنعاء يستحوذ على 80% من إجمالي المسافرين الدوليين والمحليين، بنحو 6000 مسافر يومياً، كما يقول هاني القرشي. مشيراً إلى أن إغلاق مطار صنعاء لثماني سنوات، كان له تداعيات قاسية على الشركة.