تقدّم مجموعة في الجنوب اليمني نفسها، خلال الأيام الماضية، في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها مثالاً لمن عليه أن يتصدى للتطرف الديني؛ لكنها في واقع الأمر تكشف عن تقوقع فكرها وغرابة أسلوبها باتجاه قضية بالغة الأهمية والتعقيد بحجم وتأثير التطرف الديني الذي يعصف بكل اليمن.
إن مطالبة المجتمع في الشمال اليمني ليحذو حذو ما تقوم به نساء إيران، وجعل المجتمع في الجنوب اليمني بمعزل عن هذه المطالبة، كما تفعل هذه المجموعة الجنوبية، لا يكشف وحسب عن التقوقع الفكري لمثل هذه المجموعة البائسة، وغرابة أسلوبها وحسب؛ بل يكشف كذلك أن عقولها موضوعة في أماكن غير مخصصة لها.
قبل أيام كتبتُ مقالاً نشرته على صفحتي الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وأعاد نشره عدد من وسائل الإعلام، بعنوان: “عن نساء طهران و عدن: حنينان إلى الماضي..!”، لعله يسلط الضوء أو يساعد في تسليط الضوء باتجاه ما يُفترض من نضال مدني تحرري يتعين أن يحدث في عموم اليمن انطلاقاً من عدن بوصفها كانت -منذ نحو نصف قرن من الزمن- منارة المدنية في شبه الجزيرة العربية، وعاصمة لدولة كانت فيها حرية المرأة، وحقوقها، مكفولة بدستور وقوانين.
بيد أن الذي حدث -ويحدث- يكشف على نحو جلي أن الغالبية كالنعام دفنت رؤوسها في التراب، غير مُبالية بقضايا المرأة بشكل عام، باعتبار ذلك من وجهة نظرها، مُخالفاً للدين، وهو أمر إنما يشير -في الوقت نفسه- إلى أن التطرف الديني يعصف بالمجتمع اليمني بقوة وعمق وثبات.
إن التطرف الديني الذي يعصف بالمجتمع اليمني بجنوبه قبل شماله، بقوة وعمق وثبات، يحول دون الإجابة على عدد من أسئلة مقالي المشار إليه بعاليه، مثل:
“هل حقاً ما يحدث في إيران، أي خروج النساء يطالبن بحريتهن في اختيار ما يلبسنه، لا يعني اليمنيات واليمنيين في شيء؟
إذا كان الأمر كذلك؛ فيبقى السؤال هو: لماذا لا يعني اليمنيات واليمنيين في شيء؟
هل كل النساء في اليمن مقتنعات بوضعهن الراهن؛ ولذلك هن غير مهتمات بما يحدث في إيران؟“.
إنَّ الحركات الدينية، في جنوب اليمن وشماله، والتي تُفصّل الوطن وفق معيار (ديني – سياسي) خاص بها، وإن اختلفت التفاصيل، دائماً ما تقف جميعها ضد قيام مشروع دولة مدنية حديثة يقوم دستورها على تشريعات مدنية مُقرّة من قبل عامة الشعب، وتقوم بتطبيق قوانينه على الجميع: أي تحقيق العدل والمساواة؛ وقبل ذلك الحرية المعيار الأساس لكل أفراد المجتمع بكافة شرائحه؛ والدالة الحقيقية للدولة المدنية.
“كل الجماعات الدينية، خصوصاً المتشددة منها، تقدّم ذواتها بشكل متطرف لا يقبل التعايش مع الآخر المغاير، و تنخرط -في ما بينها من جهة وبين الجماعات المدنية التقدمية من جهة أخرى- في صراع دائم بين حكم يستمد قوته من القانون المدني وتشريعات الدولة، وبين حكم يستمد قوته من القانون الإلهي وكتاب الله” (من كتاب يمنيزم).
ومع ذلك؛ يتعين القول بأن الرهان على حدوث تغير في التعامل الفكري مع مثل هذه القضية بالغة الأهمية والتعقيد، المُشار إليها بعاليه، باعتبارها دالة حقيقية على ما ينبغي حدوثه من نضال تنويري تحرري باتجاه استحقاقات الدولة المدنية، وفي صدارتها قضايا المرأة بشكل عام، مازال قائماً، وإن في أدنى درجات المتوقع أو المرجو حدوثه.
إن معركة الوعي الجمعي في كل اليمن -في نهاية المطاف- أصعب مما نعتقد أو نتصور.
* سياسي وباحث مستقل – مؤلف كتاب يمنيزم