أثناء استعدادها لاختبارات القبول للالتحاق بكلية الهندسة في جامعة صنعاء، صُدمت الشابة يُمنى محمد ( 23 عاماً) بحرمانها من مواصلة التعليم، ليس بسبب معدلها ( 89 %)، بل لقرار اتخذه فجأة شقيقها الأكبر الذي يرى في الجامعة “مكاناً غير لائق ومفسداً للفتيات”، وهي واحدة من الشائعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “فيسوك”، وفق يمنى التي بدت في حديثها مع “ يمن سايت ” محبطة جراء تحطيم شقيقها لطموحها.
والسوشيال ميديا واحد من تجليات ثورة تكنولوجيا الاتصال التي هدمت الحدود، وصيرت العالم قرية كبيرة، بيد أن استخدام هذه التكنولوجيا في المجتمعات التقليدية، بات سيفاً ذا حدين يصلت غالباً على الحلقات الضعيفة مثل النساء والفتيات.
إبان ثورات الربيع العربي، برزت مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها أداة تثوير وتغيير، أما في المجتمعات الذكورية مثل المجتمع اليمني، فإن هذه المنصات صارت “وسيلة لترويج أفكار مغلوطة وتشويه صورة النساء”، وفق ما تقول ل” يمن سايت ” رجاء المصعبي، رئيسة المؤسسة العربية لحقوق الإنسان. موضحة أنه ونتيجة لضعف الوعي، وغياب الفهم الصحيح لحقوق النساء، بات المجتمع يتقبل ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، دون التأكد من صحته.
هيمنة ذكورية
بدلاً من أن تسهم في ردم الفجوة بين الجنسين، تبدو مواقع التواصل الاجتماعي مرآة عاكسة للامساواتية. فمن إجمالي 2.50 مليون يمني/ة يستخدمون “فيسبوك”، حتى مطلع العام الجاري، بلغت نسبة النساء 13.3 % فقط مقابل 86.7 % للذكور.فالهيمنة الذكورية في المجتمع يُعاد إنتاجها في الفضاء الافتراضي أيضاً، ما يقلل من فرص النساء للتصدي للشائعات التي تستهدفهن عبر هذه المنصات.
وجرت العادة أن تصور الشائعات الفتاة المتعلمة “كفتاة متحررة، تطالب بالمشاركة في سوق العمل والتفاعل مع العالم الخارجي، وترفض القيود على خياراتها الزواجية”، حسبما تقول ل” يمن سايت ” الدكتورة إلهام الرضا، مديرة برنامج النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء.
والراجح أن مصير يُمنى لن يخرج عن مصير الكثير من بنات جنسها، أي الزواج ورعاية المنزل، خصوصاً وأن هناك من يفضل الزواج من الفتيات ذوات المستوى التعليمي المتوسط، “ما يرغم بعض الأسر على خفض التطلعات التعليمية لبناتها، والاكتفاء بحصولهن على الثانوية العامة”، تقول الرضا.
ووفقاً لدراسة بعنوان “وضع المرأة اليمنية: من الطموح إلى تحقيق الفرص”، نشرها البنك الدولي في مايو 2014 ، قالت 60 % من العائلات المبحوثة إنها لا تسمح لبناتها بمواصلة الدراسة في مدارس أو جامعات مختلطة.
يرى الباحث في مركز الدراسات والبحوث اليمني، أمين محمد، أن المجتمع اليمني بوصفه مجتمعاً محافظاً مازال ينمط المرأة في أدوار محددة، “ومن تخرج على مثل هذه الأدوار قد تتعرض للإشاعات والتشويه، خصوصاً اللاتي يشتغلن بالشأن العام، أو يعملن مع منظمات مجتمع مدني محلية أو دولية”، يقول محمد ل” يمن سايت “.
وما فعله الصراع الدموي على السلطة، والمستمر منذ صيف 2014 ، هو أنه رفع هذه الأعراف التمييزية ضد المرأة إلى مستوى الممارسة الرسمية.
في عامي 2015 و 2016 ، منعت جماعات سلفية مسلحة مدعومة من التحالف العربي، الاختلاط في جامعة عدن، وعطلت أنشطة موسيقية بسبب مشاركة شبان وشابات.
وفي الشمال منعت حكومة صنعاء غير المعترف بها دولياً، الاختلاط في الحفلات ومقاهي الكوفي شوب والجامعات. وعندما رفضت رئيسة قسم الصحافة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، الدكتورة سامية الأغبري، تنفيذ قرار منع الاختلاط، تمت إقالتها من منصبها في أغسطس الماضي، وتعيين ذكر بديل عنها.وشملت الإجراءات التي اتخذتها سلطات صنعاء، منع النساء من السفر بدون محرم، وهو القرار الذي أعاق النساء العاملات في المجال الإنساني، حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
البلد الأسوأ للنساء
تصنف اليمن ضمن أسوأ الدول بالنسبة للنساء. وبحسب بيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تقهقر اليمن في مجال المساواة بين الجنسين من المرتبة 138 من أصل 142 بلداً، في عام 2014 ، إلى المرتبة 144 من أصل 144 دولة في عام 2017 . وفي عام 2021 جاء اليمن في المرتبة 155 من أصل 156 دولة.
ويبدو أن الشائعات تطارد النساء في مختلف مراحل حياتهن، فاللاوتي يتمكن من الحصول على تعليم جامعي، لا يلبثن أن يصطدمن بالشائعات، ومن هؤلاء خولة سعيد ( 29 عاماً)، التي تخرجت من كلية الإعلام في جامعة صنعاء، إلا أن أهلها لم يسمحوا لها بالعمل في مجال تخصصها، بسبب ما يشاع حول عمل الإعلامية، ما اضطرها إلى العمل معلمة في مدرسة خاصة، حسبما أفادت ل” يمن سايت “.
تقول إلهام الرضا: “تعاني اليمنيات بشكل عام من الإشاعات التي قد تؤدي إلى إثارة الشبهات حولهن، مما يجعلهن أمام المجتمع متهمات بمخالفة العرف والأخلاق”.
ووفقاً للباحث أمين محمد “تؤثر الشائعات بشكل كبير، خصوصاً على من هن في بداية مشوارهن الوظيفي، أو من ينخرطن في العمل السياسي، حيث تعتبر الشائعات واحداً من الأسلحة التي يوجهها السياسيون ضد خصومهم، وتزداد هذه الإشاعات إذا كان المستهدف امرأة” .
خلال العام الماضي، قوبلت حملة “جوازي بلا وصية” التي أطلقتها ناشطات للمطالبة بحق اليمنية في الحصول على جواز سفر بدون إذن ولي أمرها، بحملة مضادة على منابر المساجد ومواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت تسفيهاً وتحريضاً على القائمات على الحملة.
أبرز ما تضمنته الحملة المضادة منشور كتبه على “ فيسبوك ” القيادي في حزب المؤتمر الشعبي عادل الشجاع، اتهم فيه بالاسم الناشطة ألفت الدبعي بالترويج للشذوذ و”مجتمع الميم”، ما دفع الدبعي، وهي أستاذة جامعية و استشارية لدى منظمات مدنية، ل لتقدم ببلاغ إلى إدارة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات في العاصمة المصرية القاهرة، محل إقامة الشجاع حينها.
ودرجت منصات إعلامية يمنية على إعادة نشر ما يكتبه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيه منشور الشجاع، من دون تمحيص أو إعطاء الذين وردت أسماؤهم في تلك المنشورات، فرصة التعبير عن وجهة نظرهم.
تقول الدكتورة الرضا: “تلعب وسائل الإعلام ومواقع التواصل دوراً كبيراُ في نشر الشائعات، حيث يمكن للشخص أن يكتب فيها ما يشاء دون أية رقابة”.
في حديثها ل” يمن سايت “، تلفت رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، المحامية والناشطة هدى الصراري، إلى تفشي الشائعات التي تستهدف النساء العاملات في المنظمات الدولية، ما أدى إلى إحجام الأسر عن قبول عمل بناتهن في المنظمات بمزاعم أن هذه المنظمات تدعو للانحلال الأخلاقي والتفسخ، بحيث “أصبحت نظرة المجتمع للعاملات في المنظمات نظرة دونية، وأصبحن يتعرضن للتحريض والشتم والسب عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
وتخشى الصراري أن يؤدي ترسخ تلك الشائعات إلى التقبل الذهني لها من قبل المجتمع، الأمر الذي “قد يؤدي إلى تعريض النساء العاملات في المنظمات للأذى أو المخاطر من دون أن يتعاطف معهن المجتمع، بسبب ترسخ تلك الشائعات في الأذهان”.
ولمكافحة المعلومات المضللة التي تستهدف النساء، تقترح الإخصائية النفسية، حنان العودي: “تعزيز الوعي والتثقيف حول حقوق المرأة، وتقديم فرص متساوية بين الجنسين”، مؤكدة ل” يمن سايت “أهمية تعريف الجمهور بمصادر المعلومات الموثوقة، وتعزيز قدراته ليميز بين المعلومات الصحيحة والمضللة” .