عند الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة من صباح يوم 19 نوفمبر الجاري، شرعت جرافتان بتسوية أرضية ملعب كرة قدم في قرية المقدار عزلة السواء مديرية المعافر جنوب غرب مدينة تعز. لم تتوقف الجرافتان عند حدود الملعب المعروفة، بل تقدمتا لتجرفا منزل عبدالوهاب منصر أحمد السروري (55 عاماً)، الذي يخوض نزاعاً قانونياً مع المجلس المحلي الذي تعتبره عائلة السروري مجرد واجهة للنافذ القبلي والسياسي الشهير الشيخ سلطان البركاني، رئيس مجلس النواب اليمني.
لم تكن تلك المرة الأولى التي تلتهم فيها الجرافات أملاكاً للسروري، فعلى غرار تلك الجرافات النهمة التي صورها الكاتب الأمريكي “جون شتاينبك”، في روايته الشهيرة “عناقيد الغضب”، سبق لجرافات المجلس المحلي أن التهمت، في 7 أكتوبر الماضي، حيازات زراعية للسروري تقع في موضعي: “مسقى رجحة المشان”، و”مقصوص الشريف عمر”، بالإضافة إلى ملحق للمواشي ودكان، وفق ما يقول السروري لـ” يمن سايت “.
تنص المادة 84 من القانون رقم 4 لسنة 2000م بشأن السلطة المحلية وتعديلاته، أن يتولى مدير عام المديرية “تنفيذ القوانين والسياسة العامة للدولة”، و”المحافظة على النظام العام”، و”حماية الحقوق والحريات العامة”. بيد أن مدير مديرية المعافر، رئيس مجلسها المحلي، عادل المُشمر، خرق القانون الذي يعمل بموجبه، وانحاز لنادي المعافر الذي يهيمن عليه آل البركاني، ما تسبب في انتزاع أملاك وحيازات للمواطن عبدالوهاب أحمد السروري، بالمخالفة للقانون رقم 1 لسنة 1995م بشأن الاستملاك للمنفعة العامة، وفق ما تكشفه الوثائق والمقابلات التي أجراها معد التحقيق.
فائض الفوضى
في الأول من نوفمبر الجاري، أصدرت محكمة المواسط والمعافر إعلان حضور للمدعى عليه عادل علي المشمر، في الدعوى المرفوعة ضده وآخرين، من قبل السروري. تسلم إعلان الحضور، ووقع عليه ضابط مجمع المجلس المحلي.
وفي 12 نوفمبر الجاري، أصدر محافظ تعز نبيل شمسان، توجيهاً خطياً إلى المشمر، طالبه فيه بحل إشكال الاعتداء الذي تعرضت له، يوم 7 أكتوبر الماضي، أملاك السروري. إلا أن عادل المُشمر الذي قابلناه في مكتبه في النشمة، نهار 19 نوفمبر الجاري، أي بعد حوالي 5 ساعات من عملية جرف منزل السروري، أنكر علمه بالاعتداء، قائلاً: “لا معلومات لدي عن عملية الإزالة”.
لكن الأمين العام المساعد لنادي شباب المعافر طارق سعيد سالم، الذي وجدناه في مكتب المشمر، وبحضور الأخير، أقر بعملية الإزالة قائلاً: “نحن انتزعناها منه (يقصد السروري) لأنه كان ناهباً لأرضية الملعب، وأنا لن أنتظر عادل المشمر يعمل إجراءات تؤخرنا سنتين”.
وفي ما يشبه لعب الأدوار ومحاولة تبرئة طرف المجلس المحلي، امتدح طارق سالم، مدير المديرية المُشمر، قائلاً: “عادل المشمر رجل دولة يريد القانون، أما نحن نريد الحق حقنا”.
لكن “رجل الدولة” لم يلتزم بواجبه في حماية حقوق المواطنين، ما جعله و14 آخرين، بينهم طارق سعيد سالم نفسه، متهمين بالاستيلاء على أملاك خاصة، حسب الدعوى المقدمة من السروري إلى محكمة المعافر.
تشير المقابلات والوثائق التي حصلنا عليها من المجلس المحلي، ومن السروري، إلى أن المجلس المحلي برئاسة عادل المشمر، أخل بواجبه في حماية النظام العام، وانحاز لطرف نادي المعافر الذي يترأسه شقيق رئيس مجلس النواب، الشيخ عبدالرزاق سعيد البركاني، نائب رئيس فرع المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، في تعز، فيما يشغل نجل رئيس مجلس النواب الدكتور مصعب سلطان سعيد البركاني، منصب نائب الأمين العام للنادي، إلى جانب رئاسته “ مؤسسة إعمار وطن للتنمية “.
من بين 5 وثائق قدمها السروري، يعود تاريخ أقدمها إلى عام 1370 هجرية ( حوالي1950 ميلادي)، ما يدحض مزاعم المجلس المحلي القائلة بأن الأرض كانت مشاعاً، وأن السروري استولى عليها في عام 2003م.
علاوة على الوثائق الخمس، أصدرت المحكمة العليا، ومقرها عدن، حكماً بتاريخ 24 مارس 2021، يؤيد ملكية السروري لقطعة أرض في موضع “مقصوص الشريف عمر”، نازعه عليها شخص يدعى سعيد محمد إسماعيل، ما يعزز أقوال السروري بأنه وعائلته ملاك للأرض، وليسوا طارئين عليها أو مغتصبين كما يزعم المجلس المحلي.
في المقابل، بلغ عدد ما قدمه لنا المجلس المحلي 23 وثيقة، أقدمها يعود إلى عام 2005، وهي عبارة عن محضر للمجلس تضمن قراراً بشأن الملعب، فيما توزعت بقية الوثائق ما بين مخاطبات بين النادي وبين المجلس المحلي، ومذكرات صادرة عن مكتب الأشغال، لكن الوثائق في مجملها خلت من أي دليل يدحض الوثائق القانونية للسروري.
يجيز القانون رقم 1 لسنة 1995م بشأن الاستملاك للمنفعة العامة، أن تستملك الحكومة عقارات خاصة بالمواطنين بقصد المنفعة العامة. تشترط المادة 7 من القانون على الجهة التي يجوز لها استملاك العقارات قانوناً، تقديم طلب الاستملاك إلى محكمة الاستئناف بالمحافظة التي يقع العقار في دائرتها، متضمناً تحديد المشروع ذي النفع العام المطلوب استملاك العقار لمصلحته، وبياناً بأسماء مالكي العقار أو حائزيه الحقيقيين، وهو ما لم يعمل به المجلس المحلي لمديرية المعافر.
بدلاً من أن يقدم المجلس المحلي لمديرية المعافر نموذجاً يحتذى في احترام القوانين، لجأ المجلس إلى استخدام القوة في انتزاع عقار المواطن عبدالوهاب السروري
تظهر الوثائق أن المجلس المحلي والمكاتب الواقعة تحت إشرافه، عمدت إلى استخدام قوة السلطة بدلاً من قوة القانون. ففي 3 يونيو 2013، على سبيل المثال، وجه مدير مكتب الأشغال العامة يحيى محمد أحمد السلامي، مذكرة إلى مدير أمن مديرية المعافر، يطالبه بحبس السروري وعدم إخراجه من السجن إلا بعد إزالة ما استحدثه.
تصعيد مفاجئ
بجانب شقيقه عبدالرزاق، ونجله مصعب، يشغل الشيخ البركاني رئيساً فخرياً لنادي شباب المعافر، لكن البركاني ليس الوحيد الذي يتولى الرئاسة الفخرية لنادٍ، فثمة نافذون آخرون تولوا هذا النوع من الرئاسة، منهم أحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس اليمني الراحل، الرئيس الفخري لنادي التلال العدني حتى سقوط حكم والده نهاية 2011.
ما يميز هيمنة آل البركاني على نادي المعافر، هو وقوع النادي ضمن الدائرة رقم 64 وهي الدائرة الانتخابية للنائب سلطان سعيد البركاني منذ 1993، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي العام، وأمينه العام المساعد، ما يعطيه كتلة أصوات عند إجراء أية عملية اقتراع. وكذلك بالنسبة لشقيقه الشيخ عبدالرزاق، ممثل المعافر في المكتب التنفيذي للمجلس المحلي في محافظة تعز، لهذا السبب تقريباً رمى آل البركاني بكل ثقلهم لخدمة النادي، وإن جاء ذلك على حساب أملاك مواطنين.
منذ سبعينيات القرن العشرين ظلت الأندية الرياضية ، ولاتزال، موضوع استقطاب من قبل الأحزاب السياسية، وصار شائعاً تجيير نوادٍ كبيرة لهذا الحزب أو ذاك.
يعد ملعب نادي المعافر ملعباً تقليدياً من تلك الملاعب الصغيرة المنتشرة في القرى. ومع زيارة الشيخ سلطان البركاني للمنطقة، في ديسمبر الماضي، بعد غياب خارج البلاد استمر 7 سنوات، برزت فكرة توسعة الملعب وتطويره ليتوافق مع معايير ملاعب المحترفين.
في 14 يناير الماضي، أي بعد أقل من شهر على زيارة البركاني، وصل إلى “قرية المقدار” مهندس مبتعث من مكتب الشباب والرياضة في تعز، حدد المساحة الأولية للملعب بـ92 متراً طولاً، وعرض 43 متراً (3956 متراً مربعاً)، حسب صفحة النادي على “فيسبوك”. بينما بلغت مساحة الملعب في المخطط المقدم لنا من قبل المشمر، 8011 متراً مربعاً.
لاحقاً، شرعت رئاسة النادي بتوسعة الملعب، إلا أن العملية ووجهت بمعارضة من قبل الأهالي، ما استدعى رئيس نادي شباب المعافر الشيخ عبدالرزاق سعيد البركاني، إلى توجيه رسالة إلى مدير المديرية، بتاريخ 24 سبتمبر 2023، يطلب فيها من المشمر ضبط “المعارضين والمعرقلين”، وهو ما تحقق له، فمع طلوع نهار 7 أكتوبر الماضي، وبينما كان العالم مذهولاً بعملية “ طوفان الأقصى ” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، كانت جرافات المجلس المحلي تلتهم مساحات زراعية للسروري، بينها أشجار معمرة، حسب ما تظهره مقاطع فيديو تحقق منها “ يمن سايت “.
ما بين 10 أكتوبر الماضي، و6 نوفمبر الجاري، جرت مفاوضات بين ممثلين عن رئيس مجلس النواب الشيخ سلطان البركاني، وعبدالوهاب السروري، استقرت في واحدة من جولاتها على تعويض السروري مبلغ 8 ملايين ريال، يدفعها البركاني على دفعتين، مقابل تنازل السروري خطياً عن 20 متراً من أملاكه لصالح توسعة الملعب. إلا أن المفاوضين ما لبثوا أن طالبوا بمساحة 40 متراً مقابل المبلغ نفسه.
تلك المفاوضات لم تكن سوى غطاء لتمرير واحدة من مظالم الفوضى التي فاقمها الصراع الدموي على السلطة، والمستمر منذ صيف 2014.
يقول السروري: “كان المجلس المحلي ومن خلفه البركاني يفاوضونني مقابل توقيع تنازل بالأرض، وبذات الوقت يقوم بجرف منزل ودكان وحوش”.
في مقاطع فيديو يظهر أطفال وهم يقذفون الجرافات بالحجارة، فيما يُسمع صوت امرأة، يعتقد بأنها زوجة السروري، وهي تصرخ: “يا الله يا منتقم انتقم منهم”.