الأضرار التي خلفتها سيول الأمطار هذه السنة، في سهل تهامة الخصيب، لا يمكن حصرها. تدفقت سيول جبال اليمن الغربية باتجاه تهامة بكميات مياه غير معهودة على الإطلاق.من الجنوب إلى الشمال: زبيد، رماع، سهام، سردد، مور… تلك 6 وديان رئيسية تنحدر من جبال السراة
غرباً باتجاه البحر الأحمر، مخترقة السهل التهامي، لكنها هذه السنة جلبت الويلات على عشرات القرى والبيوت، وجرفت الأموال والماشية دونما رحمة. وادي مور أكبرها وأغزرها: يبدأ من شعاب حاشد وجبل يزيد
تتجمع مياه وادي مور بداية من الشعاب الغربية لجبال حاشد وجبل يزيد والسودة في عمران ومن شمال مديريتي الطويلة وضلاع همدان، ثم يأتي أيضاً من كحلان حجة والشرفين والمحابشة وكشر وساقين في صعدة ومن وشحة، وتصب في وادي مور مياه جبال مسور وبني العوام وبني قيس، وسيول وادي لاعة الشهير، الذي يعتبر أحد أهم روافده قادماً من شمال المحويت.
ويصنف وادي “مور” كأكبر أودية جبال السراة وأهمها على الإطلاق وأغزرها، حيث تلتقي روافده الرئيسية في بلاد الواعظات (غرب حجة)، ليسقي بعدها أراضي مديرية الزهرة الواسعة، ثم يواصل طريقه غرباً باتجاه البحر، حيث يصب إلى الشمال من مدينة اللحية الساحلية، التي تبعد عن مدينة الحديدة 110كم شمالاً.
وجرفت سيول وادي مور هذا الموسم، أراضي بالهكتارات على طول مجراه الطويل الذي يقدر بـ300كم. وجرفت السيول عدداً من قرى مديرية اللحية، وبعضها طوقتها المياه من جميع جهاتها مثل قُرى: الفتيني، الدعوري، القرايشة، دير مضيع، وجبل الملح، ناهيك عن وفيات وانجراف عدد من المواشي: أبقار وأغنام وجمال.
وجرفت السيول أماً وأطفالها في منطقة “الخشم” التابعة لمديرية الزهرة، كما غمرت عشرات البيوت المبنية من الطين أو القش والطوب المخرّم، والكثير من المنازل في الواعظات تعرضت لأضرار جسيمة، فضلاً عن انجراف تربة الأراضي، التي راكمتها عمليات الطمي على جانبي الوادي عبر عشرات القرون، وهو ما يضع تهامة في حالة المنطقة المنكوبة فعلاً.
وادي سردد: من رأس “النبي شعيب” إلى البحر تنسكب مياه وادي سردد الشهير من قمة “جبل النبي شعيب” في محافظة صنعاء، ومن جنوب كوكبان والأهجر وملحان وحفاش والحيمة الداخلية وشمال حراز، وتجتمع كل هذه الروافد في مديرية بني سعد جنوب محافظة المحويت، لتتدفق ضمن وادٍ كبير وضيق دائم الجريان، ثم يغمر تهامة ويسقي مدن: المهجّم والضحي والكدن والزيدية والقناوص، ويصب جنوب مدينة الزيدية، التي تعرضت العديد من قراها وأراضيها لخسائر كبيرة، بسبب السيول الهائلة التي جرفت الحياة، وأودت بحياة العديد من الأهالي.
ويتفق الكثير من سكان هذه المناطق المتاخمة لهذه الوديان الكبيرة، على أن كمية السيول هذا العام لا نظير لها في العهود الماضية، ما يوحي بتشكل حالة مدارية جديدة في اليمن، من شأنها أن ترتب على اليمن الكثير من التبعات الجسيمة، وتغدق على البلاد بالخير الوفير، لكن في ظل الحالة اليمنية القائمة والحرب التي دمرت البنية التحتية، فإن هذه التحولات المناخية الكبيرة ستقضي على ما تبقى من بنية تحتية؛ كالجسور والطرقات ومصاريف السيول ومصداتها الخرسانية. كما أن السدود التي تخفف من عمليات التدفق القوي للسيول، قد تنفجر في أية لحظة، وتتسبب في كوارث رهيبة. ولعل حالة ارتفاع منسوب المياه في وادي مور، إلى ثلاثة أمتار، قد ضاعفته عملية انفجار سد الرونة شمال مدينة حبابة، التابعة لمحافظة عمران، والذي تصب مياهه في وادي مور، الأمر الذي فاجأ السكان بسيول كالجبال تندفع باتجاههم لم يروها من قبل.
وقالت وزارة الصحة في صنعاء، إن عدد ضحايا الأمطار، من الذين تم نقلهم إلى المستشفيات بلغ 255، منهم 131 حالة وفاة و124 مصاباً. وأكدت الوزارة أن السيول أدت إلى تضرر 106 منازل سكنية ومنشآت خاصة وعامة تضررت كلياً، و156 جزئياً (حتى آخر 7 أغسطس الجاري).
وكانت مفوضية اللاجئين قالت إن السيول في تهامة هذا العام تسببت في أضرار طالت 9000 عائلة. وذكرت المفوضية أن فريقها في اليمن “سارع لمساعدة آلاف الأشخاص، وتوفير المواد الإغاثية مثل المأوى والفرش والبطانيات”.
وادي سهام: يأتي من سنحان وخولان العالية على رأس المراوعة
عادة ما تكون المرواعة وكيلو 16 أكثر المتضررين من حالة ارتفاع منسوب مياه وادي سهام القوية. لكن هذه السنة سيول “سهام” على غير عادتها: أكثر غزارة وأشد ضراوة. فكميات كبيرة من المياه تدافعت عبر هذا الوادي الطويل الذي يبدأ تشكله من جنوب سنحان وبلاد الروس وخولان العالية ووعلان، ثم تصب فيه جبال شمال آنس وجنوب بني مطر والحيمة الخارجية وحراز وشمال جبال ريمة وبُرع، فيسقي أرض المراوعة والقطيع وصولاً إلى البحر، جنوب مدينة الحديدة.
يمر وادي سهام من جنوب مدينة المراوعة، ولكن بسبب الاستحداثات وتغيير مجاري السيول في مشرقها، انحرف السيل إلى شمال المدينة، هذه المرة، وهدم عشرات المنازل، وجرف أعداداً كبيرة من الماشية، وأغرق مستشفى، وكانت قرية “المصبار” أكثر تلك القرى تضرراً.
تقع قرية “المصبار”، جنوب غرب مدينة المراوعة (7كم)، التي انجرفت عن بكرة أبيها، وهي إحدى القرى الشهيرة في المراوعة، حيث تزدهر فيها مزارع النخيل، ويعيش أهلها على حرفة الرعي وتربية الماشية. وقد باتوا فقراء الآن، يعيشون في العراء. وقال عبده العبدلي: “إن أهالي القرية نجوا بأنفسهم بناء على تحذيرات ذاتية، قبل وصول السيل بدقائق، لكن البيوت والماشية والأثاث وكل شيء انجرف مع السيل باتجاه البحر”.
مدينة مطوقة بواديين: رماع من شمالها وزبيد من جنوبها
تأتي سيول وادي رماع من جهة المديريات الغربية لمحافظة ذمار، حيث تتجمع في بدايتها من ضوران آنس ومن حمام علي وشمال مديريات عتمة ووصابين ومديريات جنوب ريمة: السلفية ومزهر وكسمة والجعفرية. ويسير هذا الوادي في وسط سلسلة جبال شديدة الارتفاع على جانبيه الجنوبي والشمالي، حتى يظهر باتجاه تهامة شمال مديرية وصاب السافل، مخترقاً السهل المنبسط، بشكل مستقيم، وعندما يقترب من مدينة زبيد ينحسر قليلاً باتجاه الحسينية، مع ميلان قليل غرباً باتجاه البحر.
وذكرت مصادر عديدة أن منسوب مياه الوادي هذه السنة، كان مرتفعاً، حيث جرف الكثير من الأموال في مناطق وصاب والمشرافة والسوادة والجروبة. وقالت المصادر إن السيول أودت بحياة شخصين في المشرافة، وجرفت بعض أغنامهما.
وإلى الجنوب من مدينة زبيد تسير مياه وادي زبيد العظيم، التي تأتي من جهة العدين وبعدان ووادي السحول ووادي عِنة، النازلة من شمال إب ومن جبل بعدان وأودية جبل حبشي والمخادر ووادي برقين ووادي شيعان وأودية بني مسلم جنوب وصاب والقفر، وتصب إليه مياه يريم ومغرب عنس، ثم تلتقي في المضيق بين جبل رأس وجنوب وصاب، لتسير معاً متحدةً إلى جنوب زبيد، لتغذي كامل الأراضي من المدينة إلى الغرب بمسافة 75كم من زبيد، وصولاً إلى “الفازة” على ساحل البحر الأحمر.
وعلى امتداد مجراه، جرف “زبيد” هذه السنة الكثير من المساحات الزراعية، وتضررت الأراضي في تهامة بشكل كبير، بسبب حالة الانجرافات الكبيرة التي سببتها سيول الوادي، بما في ذلك اقتلاع أشجار المانجو والنخيل والجوافة والليمون والعنب والبرتقال.
وإذا كانت سيول الأمطار تتشابه مع بعضها من حيث الكمية والقوة، فإن تهامة وحدها تحملت كل هذه الكُلفة من الأضرار بالغة الحجم والمستوى.