عند حوالي الخامسة فجراً، يغادر مسعد (45 عاماً) مسكنه في دار سعد، متجهاً نحو مديرية خور مكسر، لا ليلحق بطائرته أو يمارس الرياضة على الشاطئ، بل ليجمع العلب البلاستيكية الفارغة التي يرمي بها كل صباح عمال الفنادق الكبيرة في مدينة عدن.
يصنف البلاستيك كواحد من أعداء البيئة،، خصوصاً في اليمن، أما بالنسبة إلى مسعد وآلاف الفقراء فإن البلاستيك يعد مصدراً رئيساً للرزق وإطعام أطفالهم. في معادلة مختلة: فمقابل الأغنياء -دولاً وأفراداً- المتهمين بتلويث البيئة، يعمل الفقراء والأشد فقراً، من أمثال مسعد، على حماية الكوكب من دون أن يقصدوا ذلك.
وفي وقت تغيب الجهود الرسمية في حماية البيئة، بات جامعو النفايات، ومنهم مسعد، “خط الدفاع الأول عن البيئة”، حسبما يقول لـ”يمن سايت”، عرفات نجيب، رئيس منظمة “فيوتشر للتعليم والبيئة” غير الحكومية. مشيراً إلى أن التلوث الحاصل في اليمن بسبب البلاستيك، يعد قنبلة مدمرة تهدد صحة الناس والبيئة، ويجب تدارك هذه الكارثة قبل انفجارها.
دولار للحمار
اقترن ظهور البلاستيك (اللدائن بالعربية)، مع قيام الثورة الصناعية في الغرب، وشيوع استخراج النفط وصناعاته، وباتت المواد المصنوعة من البلاستيك جزءاً من الحياة اليومية لسكان المعمورة، إلا أن نفايات البلاستيك صارت خطراً قاتلاً يهدد الحياة البرية والبحرية وحياة الإنسان، فالجزئيات البلاستيكية التي لا تُرى بالمجهر، يمكن أن تتسلل إلى داخل الإنسان عبر مياه الشرب والهواء.
في اليمن المفتقر منذ عقود للحوكمة وإنفاذ القوانين، أدت الحرب التي يشهدها منذ ثماني سنوات البلد الأفقر والأقل استقراراً، إلى مفاقمة التحديات البيئية، الأمر الذي قد يؤدي إلى إدامة حالة عدم الاستقرار، وتقويض جهود السلام، وفق ما خلصت إليه دراسة حديثة بعنوان “دور البيئة في بناء السلام في اليمن“.
وقالت الدراسة التي نُفذت في ست محافظات، بينها عدن، إنه ما لم يتم تناول تحديات النفايات والتلوث بصـورة فعالة وبطريقـة مسـتدامة؛ فمـن الممكن أن تعجل بالصراع الاجتماعي وتهدد الحلول الطويلة المدى لإحلال السلام والاسـتقرار.
بعيداً عن مثل هذه الدراسات والتقارير التي لا يُعمل بها غالباً، يمضي مسعد يومه في جمع العلب البلاستيكية، ليحصل على مبلغ يتراوح ما بين 2500 و3500 ريال (حوالي 3 دولارات) حصيلة بيع العلب البلاستيكية إلى تاجر وسيط، وفق ما يقول لـ”يمن سايت”.
غير مسعد، عشرات الفقراء يتنافسون في صباحات عدن ونهاراتها، في معركة جمع المخلفات البلاستيكية، ومن هؤلاء إبراهيم الحامي، الذي أجبرته الظروف المعيشية على الانتقال من سيئون إلى عدن، ليعمل في هذا المجال.
أما الشاب رائد الذي يعمل مع أشقائه منذ 3 سنوات، في جمع علب البلاستيك وبيعها، فقد لجأ أخيراً إلى طريقة مبتكرة تتمثل بشراء عربة يقودها حمار.
يقول رائد لـ”يمن سايت” إن “تكلفة الصندوق مع الحمار ٣٠٠ دولار”، وهو مبلغ يعد كبيراً عند هذه الأسر التي تعيش من عائد بيع المخلفات البلاستيكية. إلا أن مغامرة رائد وأشقائه كانت مثمرة، فقد ارتفع دخلهم إلى 8000 ريال في اليوم (حوالي 7 دولارات)، منها دولار لشراء علف للحمار، و6 دولارات لرائد وإخوانه، وهذا صافي الربح.
تجارة عابرة للحدود
يتم جمع البلاستيك الشفاف من قبل الفقراء، وبيعه لأصحاب المحلات، الذين يبيعونه بدورهم إلى تجار يعملون في هذا المجال، يتولون عملية شحنه وتصديره إلى الصين بعد ضغطه.
منيف ناصر، مالك محل لشراء النفايات البلاستيكية والمعدنية، يقول: إن آلاف اليمنيين يعملون في جمع النفايات البلاستيكية والمعدنية، ويبيعونها للمحلات في المدن الرئيسة والثانوية. موضحاً في حديث مع “يمن سات” أن هذا النشاط يعين كثيراً من أرباب الأسر على الحصول على لقمة العيش في واقع انعدمت فيه فرص العمل.
وفي اليمن الذي يعاني تدهوراً بيئياً منذ سنوات طويلة، ضاعف الصراع الدائر من التدهور البيئي على مختلف المستويات، حسب تقارير رسمية، كما تسبب الصراع في أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم، وفق تصنيف الأمم المتحدة.
يقول ناصر: “العشرات يأتون إلينا لبيع ما يجمعونه من نفايات البلاستيك والمعدن هنا في هذا الحي الواقع بالقرب من ساحل أبين، المنطقة السياحية التي يكثر فيها هذا النوع من البلاستيك الذي يخلفه زوار المنطقة”. مشيراً إلى أن أصحاب المحلات هم حلقة الوصل بين جامعي البلاستيك والتجار المصدرين.
ويبلغ سعر الكيلو البلاستيك، حسب ناصر، ٣٥٠ ريالاً، ما يعادل ٣٠ سنتاً أمريكياً، “فيما نعطي مقابل الكيلو المعدن ١١٠٠ ريال يمني، ما يعادل دولاراً أمريكياً عن كل كيلو”.
ويبدو الوعي البيئي في اليمن عند أدنى مستوياته رسمياً وشعبياً، حسبما تبين تقارير محلية ودولية. ومنذ اندلاع الحرب الأهلية انتشرت القمامة في شوارع المدن بشكل مضاعف ودائم، ما اضطر منظمات إغاثة دولية إلى تبني مشاريع جمعها. ومازال مألوفاً مشاهدة مواطنين يضعون الطعام والمشروبات الساخنة مثل الشاي في أكياس بلاستيكية.
ويلفت عرفات نجيب، إلى الدور الهام الذي يقوم به جامعو النفايات في حماية البيئة، ويقول: “الجهات الحكومية والمجتمع اليمني لا يهتمون بالبيئة، ولا يلتفتون إلى ما يجري من تدمير للبيئة.
ويشدد نجيب على أهمية استيعاب “حماة البيئة الفقراء”، ورعايتهم، ودعمهم ببرامج تدريبية وتثقيفية، وإطلاق حملة توعوية عبر وسائل الإعلام تحذر من كارثة المخلفات البلاستيكية.