ما إن يفرغ الشاب محمد أحمد المجيدي (30 عاماً) من عمله لدى مؤسسة أهلية يعمل لديها بالأجر اليومي، حتى يتجه لتسيير أنشطة “فرص تعز“، وهي منصة إليكترونية تطوعية تستهلك أوقات فراغ المجيدي الذي يقول إنه يبذل فيها الكثير من الجهد، لكنه يشعر بالارتياح كلما نجح في توفير فرصة عمل لشاب عاطل في مدينته المحاصرة منذ ربيع 2015.
وأدت الحرب التي يشهدها اليمن على خلفية انقلاب مسلح تنفذه منذ سبتمبر 2014، قوات عسكرية وحزبية تنشط تحت غطاء حركة أنصارالله (الحوثيين)، إلى انهيار الاقتصاد اليمني، الهش أصلاً، وارتفاع نسبة البطالة إلى 88%، ووفاة 377 ألف شخص، 60% منهم قضوا بسبب عجزهم عن شراء الطعام والدواء، حسب الأمم المتحدة.
وللعام الثالث على التوالي يواصل المجيدي التنقيب في المصادر المفتوحة بحثاً عن فرص متاحة مثل الوظائف والمنح والدورات التدريبية وغيرها من العروض والمبادرات التي يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة، وتبعث الأمل في حياة شبان مدينة تعز الممزقة والمحاصرة من ثلاث جهات.
لينينغراد المنسية
وتعز أكبر محافظة يمنية في عدد السكان، وفي عدد خريجي التعليم العام والجامعي، لكنها تعد أكثر المحافظات تضرراً بفعل الحرب. ويقول تعزيون إن الطابع المدني لمحافظتهم جعلها فريسة لعدوان داخلي وخارجي على السواء. فعلى الرغم من ورود قضية تعز ضمن اتفاق ستوكهولم، إلا أن تنفيذ الاتفاق استثنى تعز، كما استثنتها تطبيقات الهدنة الأولى والثانية التي رعتها الأمم المتحدة.
فخلافاً للاتفاقات والحملات الدولية بشأن استمرار حصار تعز الذي يوصف بأنه أطول وأقسى من الحصار الذي تعرضت له مدينة لينينغراد الروسية، أثناء الحرب العالمية الثانية، مازالت مدينة تعز ترزح تحت أسوأ عقاب جماعي تزيده سوءاً تصريحات المبعوثين الأمميين.
ويقول لـ”يمن سايت”، أيمن عبدالكريم، وهو أحد الشبان الذين نشطوا في ساحة الحرية إبان احتجاجات عام 2011 المطالبة بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح، إن تعز “تعاقب لأن شبانها كانوا في طليعة الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط النظام”.
لكن المفارقة أن جزءاً من القوات التي تحاصر مدينة تعز ينتمون إلى محافظة تعز نفسها، في استعادة جديدة لما حدث إبان الحرب الباردة عندما تقاتلت الجماعات السياسية اليمنية نيابة عن الغرب الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي، وفق توصيفات تلك الفترة.
وفي محاولة للتخفيف من معاناة الشبان العاطلين عن العمل، تعيد “فرص تعز” نشر أخبار الوظائف الشاغرة والمعلن عنها من قبل منظمات محلية ودولية ومعاهد ومدارس وجامعات وشركات ومؤسسات ووسائل إعلام ومنشآت أخرى، فضلاً عن المنح المجانية والدورات التدريبية والمبادرات المجتمعية والبرامج التنموية والأنشطة التنافسية وحملات التبرع بالدم والمفقودات وأماكن تواجدها وطريقة استعادتها.
كما تنشر المنصة معلومات تقنية متنوعة وتحذيرات من التهكير الإليكتروني وأساليبه وطرق تفاديه، وتواكب عمليات التنسيق في الجامعات بما فيها جامعة تعز منذ البدء وحتى لحظة نشر أسماء المقبولين، طبقاً لما أورده مستفيدون وتوصل إليه معد التقرير.
ويقول المجيدي لـ”يمن سايت” إنه يشعر بالرضا عما يقدمه من خلال منصة “فرص تعز”، موضحاً أن هدف المنصة إيجاد مرجع واحد للفرص المتاحة لدى الشركات والمؤسسات والمنظمات والجامعات وغيرها، وإيصالها لأكبر قدر من الناس في مدينة تعز.
وحتى قبل أن يطلق منصته، اعتاد المجيدي على البحث عن الفرص وإرسالها إلى هواتف أصدقائه والأشخاص المحتاجين إلى العمل وحساباتهم الخاصة، “ومن هنا جاءت فكرة تأسيس منصة فرص تعز، والتي مرت بمراحل بدأت بإنشاء مجموعة في الواتساب، ثم توسعت إلى التليجرام ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى”، يقول المجيدي.
قشة ليس إلا
وتنشط مجموعات شبكة “فرص تعز” عبر فيسبوك وتليجرام وإنستغرام وتطبيق واتساب، وباتت هذه المجموعات بمثابة ملتقيات إلكترونية لآلاف الشباب العاطلين عن العمل والمحتاجين للوظائف والتدريب والتأهيل والمنح الدراسية المجانية، فضلاً عن المقبلين على الدراسة الجامعية والمتطلعين نحو تطوير مهاراتهم وتعلم اللغة الإنجليزية وقيادة الحاسوب والسفر وتغيير حياتهم وتحسين أوضاعهم المادية والمعيشية.
وعلاوة على التوظيف والتعليم، تشكل “فرص تعز” حلقة وصل بين المتبرعين بالدم والمحتاجين له، فقد تمكن المجيدي من إنشاء قاعدة بيانات للأشخاص المتبرعين بالدم، تتضمن أسماءهم وأرقام هواتفهم وعناوينهم وفصيلة دمهم، وهي معلومات لا يكتفي بنشرها، بل يوثقها ليزود بها المحتاجين للدم في حال توافق فصائل الدم، أو ينشر حاجتهم في نوافذ المنصة.
صدام فرحان (31 عاماً) قال لـ”يمن سايت” إنه عرف عن الوظيفة التي يشغلها حالياً في إحدى المنظمات غير الحكومية، من منصة “فرص تعز”. فيما ذكر المواطن الأربعيني عبدالله الحميدي أنه استعاد كيساً فقده يحتوي على جواز سفر وبطاقة صراف آلي ومبلغ مالي ووثيقة ملكية منزله، بعد معرفة تفاصيل المفقودات ورقم الشخص الذي عثر عليها من صديق مشترك في منصة “فرص تعز”.
أما عاصم خالد (19 عاماً)، وهو طالب في كلية العلوم الإدارية في جامعة تعز، وعضو في إحدى مجموعات الواتساب الخاصة بفرص تعز، فقد ساعدته متابعته للفرص المنشورة في هذه المنصة على التنسيق في الجامعة والالتحاق بدورات مجانية وأخرى قليلة التكلفة، سواء في مجال الحاسوب أو اللغة الإنجليزية، أو بعض البرامج والأنشطة التي نظمتها بعض المنظمات، حسبما يقول لـ”يمن سايت”.
ومع تمزيق أوصال المدن وتقييد حركة السكان، باتت فضاءات التكنولوجيا الجديدة ونطبيقاتها ملاذاً لشبان اليمن لمناقشة همومهم، والبحث عن خلاص من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها.
وخلال السنوات الماضية انتشرت منصات التوظيف الإليكترونية بشكل لافت، ويكفي أن تكتب عبر محرك البحث جوجل عبارة “فرص عمل في تعز”، لتعثر على عشرات المنصات. ويبلغ عدد أعضاء مجموعة منصة “فرص تعز” على موقع “فيسبوك” لوحده، 68 ألف عضو.
إلا أن انتشار هذا النوع من المنصات يبدو أشبه بقشة يتشبث بها شبان اليمن الغارقون في البطالة والفقر، فأوضاع البلد الأفقر والأقل استقراراً في المنطقة، مازالت تتجه نحو مزيد من التدهور. وحتى في حالة حدوث سلام دائم ستبقى الأوضاع الاقتصادية متدهورة، خصوصاً في ظل تفشي الفساد وغياب الحوكمة، حسبما تشير بيانات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي.