تنتشر المطاعم اليمنية في عديد من العواصم العربية والأجنبية، كما نقل اليهود اليمنيون الذين هاجروا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، أصناف الطعام اليمني، ومنها الكبانة الصنعانية التي صارت جزءاً من طقس يوم السبت اليهودي.وظهرت الكبانة في مسلسل تلفزيوني إسرائيلي بعنوان “الجميلة والخباز”. بيد أن الاهتمام بأصناف الطعام على مستوى الداخل اليمني، لا يبدو أنه يسير بنفس الوتيرة.
تقول الحجة تقية (72 عاماً) لـ”يمن سايت”، أنها فوجئت بأن حفيدتها سارة، التي كانت ترفض تناول الفتة بالحليب، باتت تستمتع بها في وجبة الإفطار. وعندما سألتها عن السبب، قالت لها سارة إنها اكتشفت أن الأكل الشعبي اليمني يعد صحياً ومفيداً للجسم. وهو ما تؤكده لـ”يمن سايت” خبيرة التغذية هبة عبدالرحمن، التي تصف الدقيق الأبيض بالسم القاتل، موضحة أن الآباء والأجداد استخدموا الحبوب المختلفة في صنع المخبوزات، دون إضافة الدقيق، ما جعل وجباتهم صحية.
تنتمي سارة (17عاما ) إلى واحدة من العائلات المتعلمة التي اتجهت إلى ما يسمى الطعام الصحي. وخلال العقدين الماضيين ظهرت في صنعاء ومدن يمنية مخابز متخصصة في بيع الخبز البلدي المصنوع من الحبوب المحلية، مثل الرومي والدخن والذرة الصفراء والحمراء، إضافة إلى القمح الأسمر والشعير، إلا أن الإقبال على الخبز اليمني التقليدي مازال محدوداً، حسب ما يؤشر هذا التقرير.
ثقافة “الأبيض”
يقدم مخبز “مدهلة” الواقع في العاصمة صنعاء، فطائر مصنوعة من القمح الأسمر، والشعير، والدخن، والشوفان، والأرز، بالإضافة إلى الكعك والكوكيز (أقراص دائرية من البسكويت)، والكدم وخبز التنور والكدر. ويستخدم في منتجاته السمن البلدي وزيت السمسم.
إلا أن مالكة المخبز هديل عصام، قالت لـ”يمن سايت” إن الإقبال على مخبوزاتها لايزال ضعيفاً، مرجعة ذلك إلى تأثر الناس بثقافة الدقيق الأبيض، بخاصة وأن المخبوزات المصنوعة من الحبوب الصحية، تختلف في شكلها عن المخبوزات المصنوعة من الدقيق الأبيض.
في عام 2004، بعد زيارة له إلى صنعاء، لمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية، كتب الروائي المصري الراحل جمال الغيطاني، أنه يخشى أن تؤدي العولمة إلى انقراض بنت الصحن اليمنية، وهو طبق يمني تقليدي.
ماكتبه الغيطاني يندرج ضمن خطاب مناهض للعولمة، شاع في تلك الفترة، “فدور العولمة لم يحد فقط من انتشار الأكل الصحي في اليمن، بل أدى إلى طمس ثقافة المخبوزات التقليدية”، حسب ما تقول لـ”يمن سايت” الدكتورة سامية الأغبري، رئيسة قسم الصحافة بجامعة صنعاء، التي ترى أن المأكولات اليمنية متنوعة وشهية، وتعبر عن هوية كل منطقة”.
تشكو الأغبري وآخرون من ارتفاع أسعار الفطائر المصنوعة من حبوب يمنية، وهو ما يؤكده علي الصنعاني، صاحب “مخبز أرياف”، أحد المخابز المتخصصة في صنع الخبز والفطائر من حبوب الرومي والدخن والذرة الصفراء والحمراء، إضافة إلى القمح الأسمر والشعير.
يقول الصنعاني لـ”يمن سايت”: استخدام المكونات الصحية في صنع المخبوزات، يكلف أكثر من استخدام الدقيق الأبيض، ما يشكل عائقاً أمام توسع هذا النوع من المنتجات. موضحاً أن سعر 38 كيلو من القمح البلدي، يصل إلى 20 ألف ريال (بسعر صرف صنعاء)، بينما سعر كيس 50 كيلو من الدقيق الأبيض يبلغ 14 ألف ريال.
مرضى ومثقفون
بعد أن أظهرت التحليلات الطبية إصابته بداء السكري من النوع الأول، كف عدنان منصور (52 عاماً) عن استخدام الخبز الأبيض والروتي، وبات يواظب يومياً على شراء فطيرة أو فطيرتين من الدخن، بعد أن قرأ عبر الإنترنت نصائح طبية تفيد أن الدخن أفضل الحبوب لمرضى السكري.
يعاني اليمن من ارتفاع معدلات المصابين بمرض السكري، حيث يقدر عددهم بمليون شخص، أي 10% من السكان البالغين، حسب ما يقول لـ”يمن سايت” الدكتور زايد عاطف، مدير المركز الوطني للسكري في صنعاء، الذي ينصح بتناول الأكل الصحي، والابتعاد عن مخبوزات الدقيق الأبيض.
وعلاوة على مرضى السكري وأولئك الذين يضطرون إلى اتباع حمية غذائية لأسباب مختلفة، يعد بعض أفراد الفئة المثقفة من الزبائن المواظبين على شراء المخبوزات المصنوعة من الحبوب اليمنية، حسب ما يؤكد الصنعاني. فيما قالت السيدة هديل إن من جربوا منتجاتها عادوا للشراء منها “بعد أن أدركوا فوائدها الصحية”.
وتوازياً مع المخابز المتخصصة في صناعة الخبز اليمني، تنشط يمنيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للترويج للمخبوزات اليمنية، مثل الكدر، والكبانة، وكعك الدخن، والكدم، والخبز، والملوج، والخبز الجمري، والجحين، والقرم، والقفوع بلسن، والقفوع، والجميز، واللحوح، والعيش الحامض، والعيش الحالي، والشواف، والذمول. وتهدف هذه المبادرات إلى تشجيع المتابعين على اقتناء المخبوزات الصحية التي تُصنع من حبوب غنية بالألياف والبروتينات، وتعكس ثقافة وتراث اليمن.
والأكل الصحي لا يقتصر على المخبوزات فقط، فالمطبخ اليمني يزخر بأصناف كثيرة من الأطباق التي تستخدم مكونات طبيعية وطرق طهي سليمة. فقبل ظهور ثقافة “الفاست فود” وانتشار البرجر والبيتزا، كان الناس يتناولون أطباقاً مثل المندي، وفتة الدخن أو الشعير مع السمن البلدي والتمر، والتي تعد وجبات صحية تزود الجسم بالطاقة دون أن تضره. كذلك أطباق الأسماك والدجاج التي تطهى بطرق مميزة في اليمن بإضافة بهارات شهية.
يقول لـ”يمن سايت” الشيف عوض العامري، إن المطبخ اليمني يضم وجبات صحية كثيرة، مثل الهريسة بمكوناتها من اللحم البلدي والبر المجروش والسمن البلدي، والعصيدة بمكوناتها: التمر و”حيدوان”، وهو نوع من الأعشاب موجود في الجبال، وزيت السمسم، وغيرها من الأكلات، مشيراً إلى أن الأكلات غير الصحية في المطبخ اليمني دخيلة تنتمي إلى ثقافات أخرى، وليست يمنية بحتة.