“محاولة تقسيم تعز لها علاقة بمشروع كبير لتجزئة اليمن “ يقول ل “يمن سايت”،باسم الحاج، سكرتير أول الحزب الاشتراكي اليمني في محافظة تعز الذي كان ضمن مشاركين رسميين وحزبيين في حفل تدشين حملة رسمية وشعبية انطلقت الخميس لمناسبة مرور 3000 يوم على الحصار الذي تفرضه على مدينة تعز قوات تابعة لسلطة صنعاء المعروفة اعلاميا باسم الحوثيين أو “حركة أنصار الله”.
غير الحاج سياسيون كثر يتحدثون عن مشاريع التجزئة والتفكيك لكنهم غالبا يتجنبون أو يغضون الطرف عن ذكر الفاعليين المحليين باعتبارهم الاداة الرئيسة أو حصان طروادة لتنفيذ أي مشروع خارجي مفترض .على غرار مافعلته في عام 2014 الأحزاب اليمنية التي كانت تتقاسم السلطة لاول مرة عندما توافقت على تمرير الحرب تحت غطاء مابات يسمى انقلاب 21 سبتمبر.
في المؤتمر الصحفي الذي نُظم في مبنى فرع شركة النفط المستخدم منذ عام 2016 كمقر بديل للمحافظ وموظفيه ، تحدث المحافظ نبيل شمسان وآخرون حول حصار تعز و معاناة السكان. وهذه المرة الأولى التي تحظي فيها قضية حصار تعز بهذا الزخم الرسمي والحزبي، بيد أن لا أحد من المتحدثين أو الحاضرين قدم تفسيرا منطقيا لسبب عدم كسر الحصار المستمر منذ تسع سنوات. واستثناء فتح طرق تعز عند تنفيذ اتفاق ستوكهولم. الموقع نهاية عام2018.
كماشة لا أخلاقية
يقدم حصار تعز نموذجا للطريقة غير الأخلاقية واللا انسانية التي تعاملت بها الاحزاب اليمنية والمجتمع الدولي مع المدنيين .اذ الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المحاصرة لتعز ما بين مارس 2015 وديسمبر2022؛ واحد وثلاثون الفا و36 انتهاكا بينها 2834 حالة قتل و719 حالة خطف وتهجير 5613 شخصا .حسب بيانات وزعها القائمون على 3000 يوم من الحصار.
هذه المآسي وغيرها لم تكن لتقع أصلا لولم تتواطأ الأحزاب اليمنية مع القوى الدولية والاقليمية للالتفاف على ثورة الشباب و تحويل مخرجات الحوار الوطني الى حرب مفتعلة هدفت اساسا الى اعادة هيكلة الدولة اليمنية بما يتوائم مع الحرب العالمية على الارهاب. وهو ماصار واضحا بعد ثماني سنوات حرب.
بعد اقل من عام على تحرير عدن ومعظم محافظات الجنوب،اطلقت الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية والامارات في 7يناير 2017 عملية ” الرمح الذهبي ” وهي حملة عسكرية تمكنت في غضون اسبوعين من تحرير ميناء المخا و ذو باب المطلة على باب المندب وهي مديريات ساحلية تابعة لمحافظة تعز لكن المفارقة أن التحالف والحكومة الشرعية عمدا على ابقاء ،الجزء الداخلي من تعز ومنه المدينة المكتظة بالسكان محاصرا من ثلاث جهات .
وبحسب مصدر عسكري تحدث الى “يمن سايت ” شرط عدم الكشف عن هويته فان تحرير بقية المناطق الغربية من محافظة تعز “كان سيؤمن حماية لقوات الشرعية ويفتح أمام السكان منفذا الى البحر” معتبرا عدم تحرير هذه المناطق واحدة من علامات الاستفهام وربما هدف الى وضع القوات العسكرية في تعز ” المحسوبة على الاصلاح بين فكي كماشة ” حسب تعبيره.
يقول أحمد عثمان، رئيس الدائرة الإعلامية لفرع حزب التجمع اليمني للاصلاح في تعز أن “حزب الإصلاح عمق المقاومة ويمثل قوة من قوى الشرعية يتحرك ضمنها ويضغط على الحكومة لتبني موقف تعز وحصار تعز” . مؤكدا ل”يمن سايت “، امكانية ” فتح معابر تعز عن طريق، القوة”.
لكن ما حدث هو أن مكونات الحكومة الشرعية في تعز تشرذمت مبكرا ودخلت في صراع مسلح فيما بينها ففي عامي 2018 و2019 شهدت تعز مواجهات مسلحة ما بين كتائب ابو العباس السلفية وقوات عسكرية وشبه عسكرية محسوبة على تجمع الاصلاح في تعز . الامر نفسه تكرر في عدن وابين وشبوة ومارب.
لعبة قذرة
وتضمنت حملة #تعز3000_يوم_حصار ، معرضا للصور و فيلم وثائقي بعنوان ” على قيد الحصار ” كما نظمت سلسلة بشرية في أحد منافذ المدينة . وتعد الاولى والاكبر رسميا. وتزامنت مع انباء عن مشاورات تشهدها العاصمة العمانية مسقط لتشكيل مجلس رئاسي يضم ممثلين عن مختلف الاطراف في الشمال والجنوب..
ويؤكد القيادي الاشتراكي باسم الحاج وجود “توجه دولي لا يقاف الحرب” مع ” الابقاء على سلطات الأمر الواقع”.
من جهته يقر رئيس الوفد الحكومي المفاوض بشأن طرق تعز عبدالكريم شيبان أن القضية اليمنية “ صارت قضية دولية و اقليمية حلها بيد جميع هذه الاطراف وليس بيد الحكومة اليمنية فقط”.
يقول شيبان ل”يمن سايت” أن الأمم المتحدة “شرعنت تحركات الحوثيين على الارض وحصار المدينة وتقييد السلطات الشرعية “. موضحا أن “الحوثي يستفيد من كل هذه الحوارات والهدن التي تمت منذ ثمان سنوات مع الحوثيين مكنته ليتموضع وينتشر أكثر”.
وتتوفر أدلة كثيرة على انحياز الامم المتحدة وصل الى حد قول فريق الخبراء البارزين التابع لمجلس حقوق الانسان في الفقرة رقم 99 من تقريره الصادر في سبتمبر 2019 أن “الحوثيين مجموعة ذات مشاركة واسعة تتخطى الخطوط الطائفية، مع أهداف معلنة بدعم جمهورية يمنية أكثر ديمقراطية وغير طائفية”. جاء ذلك بعد وقت من اصدار سلطات صنعاء قانون الخمس و استمرار احتفالها بيوم الولاية .
ويجيز القانون الدولي للحكومة الشرعية قمع أي تمرد والتصرف وفقا لمبدأ السيادة بيد أن العكس هو ما حصل فالحكومة المعترف بها ظلت تتصرف في شكل يدعم سلطات صنعاء الموصوفة بالانقلابية .
يؤكد الحاج على اهمية الملف الانساني باعتباره البنية التحتية للسلام لكن الأحزاب اليمنية التي مازالت منذ 2012 تتقاسم السلطة في صنعاء وعدن تتهم بالتعامل مع الاحتياجات الاساسية للسكان بطريقة توصف بغير الانسانية وغير الاخلاقية.
وخلافا للدعاية الرائجة عن اسهامات دول مجلس التعاون الخليجي في المجال الانساني مازال شهاب 33 عاما يشتري ال20 ليتر من الماء ب300 ريال وهو “ماء ملوث بالتراب لايصلح حتى لغسل الثياب ” يقول شهاب ل”يمن سايت ” فمنذ ضرب الحصار و سيطرة قوات صنعاء على ابار مشروع مياه تعز تراجع كمية المياه التي يحصل عليها السكان من اكثر من 6ملايين متر مكعب الى 648 الف متر مكعب حسب المؤسسة العامة للمياه.
في ابريل 2021 ،بعد صمت أستمر سنوات وردت قضية منع الانقلابيين المياه عن تعز ضمن رسالة وجهتها مجموعة من الاحزاب في تعز الى المبعوث الاممي مارتن غريفيثس طالبته بالضغط على الحوثيين بفتح طرق تعز وعد م الكيل بمكيالين في تنفيذ بنود اتفاق ستوكهولم.
وعلى الرغم من عدم تنفيذ سلطات صنعاء البنود ذات الجانب الانساني مثل تورريد ايرادات ميناء الحديدة لصالح صرف مرتبات الموظفين المتوقفة منذ عام 2016 وفتح الطرق والسماح بامدادات المياه إلا أن الأحزاب ذاتها عادت الى صمتها واستمرت في استقبال المبعوث الأممي الجديد والمشاركة في الانشطة التي ينظمها مكتبه داخل اليمن وخارج اليمن.
تماهي القوى السياسية اليمنية مع الفاعليين الدوليين يعود الى وقت مبكر وبرز بشدة بعد هجمات 11 سبتمبر2001 وتوجه الى الدول الكبرى الى اعادة هيكلة الدول المسكونة بجماعات توصف بالمتطرفة حيث عمدت الولايات المتحدة ودول الى استخدام جماعات مسلحة غير رسمية لتنفيذ اجندة الهيكلة.
في مايو 2009 قالت مجموعة الأزمات الدولية ، أن المجتمع الدولي صمت على حرب صعدة “لعلمه بأن الحوثيين مجموعة فرعية في الحرب على الإرهاب”. و في اغسطس ٢٠١٦ تحدث الرئيس السابق للمخابرات السعودية أنورعشقي في حوار تلفزيزني عن دولة خليجية، لم يسمها، قال أنها بذلت اموالا طائلة للحوثيين لضرب حزب الاصلاح.
ومع تشكيل صنعاء المجلس السياسي وحكومة الانقاذ الوطني صار واضحا أن 80 في المائة من سلطة صنعاء الموصوفة بالانقلابية ينتمون الى احزاب يمنية تشارك في حكومة أيضا حسب ما وثقت تقارير منشورة . في عملية تضليل هي الاوسع .
والمفارقة المسكوت عنها في حصار تعز هي أن عدد غير قليل من القوات التي تحاصر المدينة ينتمون الى تعز نفسها. بدءا من المحافظ المعين من صنعاء وليس انتهاءا بالمقاتلين الميدانيين ورجال الصحافة والدعاية الحربية. حسب ماتظهر قرارات التعيين والمواد المصورة والمكتوبة التي تبثها صنعاء .