في مارس الماضي، قال البرلمان اليمني بشطره التابع لسلطة صنعاء غير المعترف بها دولياً، إن إقراره للقانون رقم 4 لسنة 2023 بشأن منع التعاملات الربوية “يأتي امتثالاً لأوامر الله ونواهيه”، بيد أن سبعة أشهر على تطبيق القانون الموصوف ب-“القروسطي” فاقمت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بشكل لا يرضي الله ولا رسله، حسبما يرى الذين تحدث إليهم “يمن سايت”.
عبدالله صالح، خمسيني، لديه حساب في بنك تجاري في صنعاء، منذُ حوالي 25 سنة، كفائدة توفير، يقول ل – “يمن سايت”: “كانت الفائدة في البداية 16 % ، لتتناقص إلى 15 %ثم إلى 12 %، لتصل في عام 2023 لإبلاغنا بعدم وجود تلك الفوائد التي تصل إلينا كل ستة أشهر.
ويضيف: “أنا كغيري تأثرت بالحرب وانقطاع الرواتب، وأصبحت تلك الفوائد تساعدني في تسديد بعض التزاماتي، بخاصة أنه تم تقييدنا من البنوك التجارية، فلا أستطيع إلا سحب خمسين ألف ريال فقط من رصيدي كل شهر، بحجة أن أموالنا في البنك المركزي، ليس ذلك فقط، الآن أذهب لسحب مبلغ من مالي، فيتم أخذ 3 % من المبلغ الذي سوف أقوم بسحبه”.
ونسبة ال 3 % المخصومة من المبلغ المسحوب هي عمولة للبنك استحدثتها بنوك صنعاء قبل 4 سنوات، وظلت تخصم من الفوائد، ومع سريان قانون منع التعاملات الربوية، مطلع العام الجاري، صارت تخصم من أموال العملاء مباشرة. وهي جباية غير قانونية، كما يصفها كثر.
انهيار غير معلن
غير عبدالله صالح، ملايين اليمنيين، لا سيما أصحاب المعاشات التقاعدية، الذين يعيشون على الفائدة الشهرية المكتسبة من ودائعهم المصرفية، تأثروا بقانون منع التعاملات الربوية، الذي أصدرته سلطات صنعاء، في 23 مارس الماضي ، بعد تمريره في مجلس النواب، دون عرضه على اللجنة الدستورية.
بدلاً من أن تعمل على التخفيف من معاناة اليمنيين، ومنهم أكثر من مليون موظف حكومي يعملون تحت سيطرتها، توقفت رواتبهم منذ نهاية 2016 ، ضاعفت سلطات صنعاء بإصدارها القانون المذكور ، ضحايا الصراع المستمر منذ صيف 2014 ، والذي تسبب في وفاة أكثر من ثلث مليون يمني، حسب تقديرات أممية، وانهيار الاقتصاد اليمني ، ما وضع 80 %من سكان البلد الفقير والأقل استقراراً في المنطقة، على حافة المجاعة.
القانون رقم 4 لسنة 2023 بشأن منع التعاملات الربوية، ضم 13 مادة تُجرم كل التعاملات المدنية والتجارية، وما يترتب عليها من فوائد، أيّاً كان المسمى، وهذا يشمل تقديم القروض أو التسهيلات أو الودائع أو أذون الخزانة، وحتى العمولات على خطابات الضمان والاعتماد المستندي وخصم الأوراق التجارية، وكذلك الصيغ الإسلامية، مثل بيع المرابحة وبيع السلم والبيع بالتقسيط الآجل وبيع الوفاء وبيع الدين، كما يُجرم القانون الأنشطة المشابهة للبنك المركزي وبنوك التمويل الأصغر، وهيئة التوفير البريدي.
وفي ما يشبه استعادة جديدة لقانون التأميم الذي عرفه جنوب اليمن إبان النظام الاشتراكي، لكن هذه المرة بقانون ذي صبغة إسلامية، باتت استثمارات البنوك التجارية في الدَّين العام، البالغة قيمتها حوالي 1.7 تريليون ريال ( 3.3 مليار دولار)، وكذلك الأرصدة المودعة في بنك صنعاء المركزي ، كاحتياطيات تخص البنوك التجارية، وهيئات التأمينات، وشركات الاتصالات والبريد، والبالغة 3.9 تريليون ريال ( 7.5 مليار دولار) ، باتت جميعها في حكم المؤممة . وهو ما يؤكده ل”يمن سايت” أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز الدكتور محمد قحطان .
يقول مصدر مصرفي في صنعاء طلب عدم الكشف عن هويته، إن “أصحاب الحسابات القديمة (قبل 2017 ) هم الأكثر تضرراً من كل النواحي، لأن مصير الودائع القديمة مرتبط بالبنك المركزي “ .
وفي وقت تراجعت إيران وليبيا عن تطبيق قانون منع التعاملات الربوية بسبب آثاره السلبية على اقتصادهما، أتى قانون صنعاء ليعمق الانقسام القائم في النظام المصرفي اليمني المهدد بالانهيار ، حسبما يرى متخصصون بينهم خبراء لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة.
يقول الدكتور محمد قحطان: “مع وجود نظامين مصرفيين، أحدهما يدار من صنعاء والآخر يدار من عدن ، صار من الصعب جداً أن تتحكم البنوك التي مركزها في صنعاء بفروعها في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً”.
وكانت أزمة السيولة في مناطق سيطرة سلطة صنعاء، دفعت البنك المركزي في صنعاء إلى تحويل أرصدة البنوك التجارية إلى أرصدة حسابية، أي غير قابلة للسحب نقداً، الأمر الذي جعل البنوك عاجزة عن تسديد أموال العملاء كاملة، فمن يرغب بسحب مليون مثلا ً تعطى له 50 ألفاً فقط.
ومع لجوء بعض العملاء إلى المحاكم، وحصولهم على احكام ضد البنوك، وجهت جمعية البنوك اليمنية ، في 4 يناير الماضي، مذكرة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى في سلطة صنعاء، القاضي أحمد يحيى المتوكل، ترجوه فيها “التوجيه” للمحاكم بعدم إصدار أحكام وأوامر قضائية تلزم البنوك بالدفع نقداً لأي التزامات للعملاء نشأت في أو قبل 2016 ، وهو العام الذي قررت فيه الحكومة المعترف بها دولياً نقل إدارة البنك المركزي إلى عدن التي تتخذها كعاصمة مؤقتة.
وفيما يؤكد ل-“يمن سايت” المحلل الاقتصادي رشيد الحداد، أن إلغاء الفوائد وعجز البنوك عن إعادة حقوق المودعين ، أدى إلى “أزمة ثقة كبيرة” ، كشف مصدر مصرفي ل-“يمن سايت” عن سحب عدد كبير من العملاء أصحاب الحسابات الجديدة (منذ 2017 وصاعدا ً ) أموالهم خوفا ً من فقدانها ، بسبب قانون منع الفوائد الربوية.
شرعنة السمسرة
“إن تكلمنا عن حجم الخسائر، سوف يفقد العملاء ثقتهم بالبنوك، لأن البنوك عبارة عن سمعة “ ، يقول ل-“يمن سايت” موظف مصرفي ، مبررا ً امتناع بنوك صنعاء عن الكشف عن حجم خسائرها نتيجة العمل بقانون منع التعاملات الربوية. فيما تحدث موظف آخر عن توجه بعض المصارف التجارية في صنعاء، لخفض أجور موظفيها على خلفية ركود نشاطها.
ولئن قضى القانون بحرمان المصارف من الفائدة، إلا أنه حول “البنك المركزي والبنوك الأخرى إلى سماسرة ومضاربين في فارق سعر العملة، وأصبح ذلك عمود نشاطهم في تسوية المدفوعات مع كلٍّ من الدائنين والمدينين” ، حسبما كتب أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، مطهر العباسي.
يستدل العباسي وآخرون بالمادة 5 من القانون، والتي تنص على أنه “لا يعد بحكم الربا الحكم بفارق سعر العملة عند استحقاق المبيع ونحو ذلك في معاملة مدنية أو تجارية، وكذلك الحكم بفارق سعر العملة على المدين المماطل بالوفاء”.
وعلاوة على فقدان العملة اليمنية ثلثي قيمتها مقارنة بعام 2014 ، وارتفاع الأسعار بمعدل قياسي، وتفشي الفقر والبطالة، تسبب الصراع الدموي على السلطة في تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني، وتقطيع أوصال البلد الأفقر والأقل استقراراً في المنطقة العربية، إلى كانتونات محكومة بالمليشيات الحزبية ، تعزز ذلك مع تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية والإمارات، بغطاء أممي.
وبات بيع العملات الأجنبية والمضاربة بها سوقاً رائجة للجماعات السياسية وأذرعها المسلحة في صنعاء وعدن ، في وقت تهاوى الريال اليمني من 250 ريالاً للدولار الواحد نهاية عام 2014 ، إلى 1700 ريال في 2021 ، و 1550 ريالاً في نوفمبر الجاري. توازى ذلك مع ممارسات المليشيات الحزبية شمالاً وجنوباً للجبايات شبه اليومية، وابتزاز شركات القطاع الخاص، حسبما تؤكد تقارير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة.