تسببت خطة جديدة لتنظيم خطوط سير مركبات النقل الجماعي داخل مدينة تعز، بشطرها الواقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، في مفاقمة معاناة السكان، خصوصاً طلاب وطالبات الجامعات، في وقت يواجه 24.1 مليون يمني خطر المجاعة حسب الأمم المتحدة.
وعلى مدى سنوات حافظت أجرة المواصلات العامة في تعز على ثباتها عند 100 ريال للمشوار، ومع تهاوي قيمة الريال اليمني إلى 1700 ريال للدولار الواحد عام 2021، رفع سائقو المركبات حينها أجرة المشوار بنسبة 100%. وها هي خطة السير الجديدة تزيد طين المعاناة بلة.
“كنت أركب الباص من أي مكان بسعر 200 ريال فقط، أما الآن فلا أستطيع الركوب إلا في مكان محدد بتكلفة تصل إلى 1000 ريال في اليوم”، يقول لـ”يمن سايت” الطالب في كلية السعيد للهندسة وتقنية المعلومات في مدينة تعز، القسام محمد القاسم، شاكياً من التكلفة التي سببتها خطوط السير الجديدة.
وقضت الخطة التي أقرتها السلطات في مايو الماضي بإعادة تموضع مركبات النقل العام في فرزات (محطات) وخطوط سير محددة، والالتزام بوضع شارات وأرقام على مقدمة ومؤخرة حافلات نقل الركاب لتمييز وجهتها، إلا أن الخطة ضاعفت التكاليف على مستخدمي المواصلات العامة الذين يعانون أصلاً من ضائقة اقتصادية أثقلت كاهل حياتهم.
حصار وتمزيق
تعد تعز ثالث أكبر المدن اليمنية، وأول المحافظات اليمنية في عدد السكان، كما يوصف أبناؤها بأنهم الأكثر تعليماً، لكن مدينتهم باتت الضحية الأكبر للحرب التي يشهدها البلد الأفقر والأقل استقراراً في المنطقة العربية.
وفيما كان سكان تعز يأملون أن تفضي مباحثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة منذ هدنة أبريل ٢٠٢٢، إلى رفع الحصار عن المدينة وفتح الطرق تنفيذاً لاتفاق ستوكهولم، تفاجأ سكان المدينة في شطرها الواقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، بإقرار خطة سير جديدة تضمنت إلغاء خطوط سير قديمة واستحداث خطوط جديدة، ما باعد بين مواقع السكن وخطوط سير الحافلات، ورفع ميزانية التنقل. تقول لـ”يمن سايت”، الطالبة في كلية الآداب في جامعة تعز؛ ريم الأثوري: “أغلب الصعوبات التي تواجهني هي عدم وجود فرزات قريبة، وإن ذهبت إلى فرزات لا أجد مواصلات إلى الجامعة، ما يضطرني إلى أن أركب مشوارين إلى الجامعة، والتأخر عن موعد المحاضرات بسبب ازدحام السير”.
وتقترح الأثوري تخصيص حافلات نقل لطلاب وطالبات الجامعة، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من معاناة الطلاب المادية والنفسية، كما “سيوفر الوقت والجهد الذي يبذله الطلاب للوصول إلى خطوط السير المطلوبة إلى الجامعة” تقول الاثوري.
لكن مدير إدارة شرطة السير في محافظة تعز، العقيد ركن عبدالله راجح، قال لـ”يمن سايت” إن إيجاد حافلات خاصة بالطلاب والطالبات “أمر غير مجدٍ، بسبب محدودية الحافلات”، علاوة على أن “سائقي الحافلات ملتزمون بخطوط سير محددة”، و”لا يوجد لديهم الاستعداد لتخفيض أجور النقل للطلبة”. وكشف المسؤول الأول في شرطة السير؛ عن تدهور وضع عدد من شوارع المدينة وعدم صلاحيتها. مشيراً في هذا الصدد إلى “خط السير (رقم 1 لون أزرق) الذي يمر من الجامعة إلى حي الحصب، ومن وادي القاضي وصولاً إلى حي مستشفى الثورة”، وكذلك “خط السير (رقم 1 لون أخضر)، الذي يمر من الجامعة إلى الدائري، ومن حي المستشفى الجمهوري وصولاً إلى حي المستشفى العسكري”.
ونظراً لوجود هذه الطرق المتهالكة أو غير الصالحة، والتي يعاني منها سائقو وملاك المركبات، سيكون من الصعب إقناع سائقي هذه الخطوط بتخفيض سعر أجرة النقل للطلاب، حسبما يقول راجح.
متاهة قاتلة
وبات ملايين اليمنيين الفقراء أسرى متاهة قاتلة، خصوصاً في ظل تقاسم الأحزاب اليمنية و/أو أذرعها المسلحة؛ السلطة في الشمال والجنوب، ما جعل الساحة خالية من أية معارضة تعبر عن صوت الفقراء. وتوازياً مع انهيار مؤسسات الدولة، وتعاظم الأوليغارشيات الحزبية، وتفلتها من أية رقابة ضاق الخناق أكثر وأكثر على الفقراء والأشد فقراً، وصار التعليم ضرباً من الترف.
ويقول البنك الدولي إن الكثير من الأسر اليمنية التي تتجاوز 40% من السكان؛ وتعاني بشدة في شراء حتى الحد الأدنى من الكمية الغذائية، ربما فقدت أيضاً مصدر دخلها الرئيسي.
ويرى اقتصاديون أن من شأن خطة السير الجديدة تضييق الخناق على الطلاب الذين يعانون أصلاً من ارتفاع الخدمات الطلابية، مثل تصوير الملازم والكتب والإنترنت والبحوث العلمية والمراجع، حسب ما يشرح لـ”يمن سايت” الخبير الاقتصادي فارس النجار.
وبحسب النجار، دفعت الضائقة الاقتصادية “كثيراً من الطلاب إلى وقف دراستهم الجامعية، والاتجاه إلى سوق العمل للحصول على لقمة العيش، كما أدت إلى انخفاض نسبة الطلاب الذكور الملتحقين بالدراسة الجامعية”، مشيراً الى أن كثيراً من أولياء الأمور باتوا عاجزين عن تدريس أبنائهم في المراحل المتقدمة الثانوية العامة، والجامعة”. ووفقاً للأمم المتحدة، تسببت الحرب الأهلية التي يشهدها اليمن على خلفية انقلاب ٢١ سبتمبر ٢٠١٤، في “أسوأ وأكبر أزمة إنسانية”، كما أدى الصراع العنيف على السلطة إلى إحياء الطائفية والمذهبية، وتمزيق النسيج الاجتماعي.
في مارس ٢٠١٥، تشكل تحالف عسكري عربي مكون من مجموعة دول بقيادة السعودية والإمارات، لقمع الانقلاب وإعادة الأمل للشعب اليمني، حسبما زعم حينها، لكن دور التحالف انتهى بإزاحة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، وتمكين الأحزاب اليمنية و/أو أذرعها المسلحة في الشمال والجنوب، ما قضى نهائياً على أحلام شباب ثورة ١١ فبراير ٢٠١١.
ويرى العقيد عبدالله راجح أن قضية تخفيف معاناة الطلاب بحاجة لتضافر جهود مختلف الجهات، مثل المجلس المحلي، وإدارة الجامعة، واتحادات الطلاب، ومحافظ المحافظة، والمنظمات غير الحكومية.
وفيما أنخفض المتوسط السنوي لدخل الفرد إلى أقل من 264 دولار مقارنة ب1300 دولار في عام 2014 ، بات واضحاً أن الطلاب القادمين من الريف هم الأكثر معاناة.
ويقول لـ”يمن سايت” عامر محمد، وهو طالب في كلية السعيد، إن “الطلاب القادمين من الأرياف إلى الجامعة تصل تكلفة تنقلاتهم إلى 3000 ريال يومياً، غير المصاريف الأخرى، والبعض لا يمتلك هذه المبالغ يومياً، فيضطر إلى الغياب من الجامعة، والبعض الآخر يتوقف عن استكمال الدراسة”، مشيراً إلى أن بعض الطلاب يتحمل أعباء الدراسة الجامعية، خصوصاً من يعيشون بعيداً عن أهاليهم، ويتحمل إيجار شقة في المدينة، والبعض الآخر يتحمل تكاليف رسوم الجامعة (موازي أو نفقة خاصة).