وأنا طالب في الثانوية كنت مولعاً بكتابات محمد المساح في جريدة الثورة ثم على غير موعد ظهر ساحر أكثر إغراء.
حسن اللوزي، لا اتذكر أنه كان منتظماً كما هو حال صاحب لحظة يا زمن لكن الاسم علق في الذاكرة. وهكذا ظللت أقرأ كلما وقعت عيني على كلام يسبقه اسمه شعراً أو نثراً.
وكان حسن اللوزي قد اصبح وكيلاً لوزارة الاعلام عندما رأيته لأول مرة يمر من أمام مقهى زهرة الميدان بحي الدقي في القاهرة.كان الوقت صيفاً والرجل يرتدي بنطلوناً وقميصاً ويشمر على نصف ساعديه.
هناك رأيته، أما حين سمعته أول مرة فقد كنت في صنعاء اقضي إجازة الصيف. كنا عشية الذكرى الخامسة عشر لثورة ال 26 من سبتمبر ننتظر خطاب الرئيس ابراهيم الحمدي بالمناسبة في مجلس أحد أصدقائنا.
ولا أتذكر أين أمضيت المقيل لكن التقينا هناك، وبينما عيوننا معلقة على التلفزيون أطل حسن اللوزي يقدم الرئيس وينثر الكلام البهي من ورق أمامه يدعو الناس إلى الاستماع لحديث يصدر من القلب إلى القلب, وتطوع أحد الحاضرين بالسخرية من المتحدث البارع في ضبط نغمات صوته وإتقان حركات وجهه ونقلاته بين الورق والفضاء .
أثناء عمله وكيلاً لوزارة الاعلام أصدر مجلة معين عن مؤسسة سبا للصحافة وجعل إفتتاحيتها بتوقيعه تحت عنوان “إضاءة” .
فيما بعد، سيهدي هذا العنوان للرئيس على عبد الله صالح ويخصص له زاوية صغيرة على يسار الصفحة الأولى بجريدة الثورة.
كنا نتابع المجلة بشغف ونحرص بصفة خاصة على قراءة الإضاءة, و كانت المجلة ترقى رغم حداثتها إلى مستوى المجلات العربية المحترمه غير أنها تراجعت بعد أن تولاها غيره وصارت لا تساوي قيمة الحبر الذي تطبع به.
ثم عرفت حسن اللوزي على الصعيد الشخصي بعد أن تولى الوزارة واشتغلت بالصحافة، جمعتنا لقاءات وجلسات طويلة ونشأت بيننا صداقة حميمة.
جعلنا التشارك بتعاطي الدخان من المداعة نتجاور في المقيل، كثيراً في التوجيه المعنوي وقليلاً في منزله بالحي السياسي.
ومرة قال حسن اللوزي بمجرد أن جلس أن انقلاباً وقع في الشارقة أطاح فيه عبد العزيز القاسمي باخيه الشيخ سلطان وقلت وقد ظهر عليَ الانزعاج ان سلطان ناصري فقال ونصف ابتسامة على وجهه، لهذا قلت اسمعك أنكم خسرتم أخر موقع لكم في الوطن العربي.
كان حسن اللوزي مسكوناً بالشعر، حتى مقالاته وخطبه السياسية تنضح به. وفي بعض المرات كان يريني في مقيل الأربعاء أبياتاً من الشعر العمودي تلهى بكتابتها أثناء اجتماع مجلس الوزراء وكأنما يهرب من كآبة المناقشات العقيمة إلى عوالم عمر ابن ابي ربيعة ونزار قباني وغيرهما من شعراء الغزل.
ويوم ظهر صوت حسن اللوزي مطلع السبعينات ساهم بقسط وافر في تحرير الشعر العري من الحشرجات والتأتآت.
وقد صنفه بعض النقاد في مدرسة الغموض وبينهم من نسبه إلى ادونيس لكنه قال لي مرة ” أنا خرجت من معطف عبد العزيز المقالح “.
كنا وحيدين في مكتبه وأمتد بنا الحديث عن الشعر بعد اتصال تلفوني اجراه مع الاستاذ عبد الله البردوني يبلغه فوزه بجائزة صدام حسين للأدب لسنة 1988 مناصفة مع يوسف ادريس عبقري القصة القصيرة وخرجت قهقهة البردوني من سماعة التلفون يعتذر عن الجائزة ويقول للوزي خذها لك.
كان حسن اللوزي صوتاً قوياً وذكياً دافقاً كالشلال، ولنقرأ اللغة في العناوين:
- الصراخ في محكمة الصمت.
- فاحشة الحلم.
- أشعار للمرأة الصعبة.
- المرأة التي ركضت في وهج الشمس.
قال بابلو نيرودا عن الاسبان ” أخذوا منا الذهب، تركوا لنا الذهب.. أخذوا منا الذهب, تركوا لنا اللغة “. وقد عاش حسن اللوزي ينثر الذهب، كان الذهب دائماً يفيض من فمه ويسيل من قلمه ..
وكان قبل ذلك وبعده إنساناً محباً للحياة والناس.. لقد حزنت عليه وبكي قلبي وإن لم تدمع عيناي.. رحمه الله.