إلى جانب محمد نبيل، يصطف ثلاثة شبان على الجزر الوسطية في شارع “بير باشا” في مدينة تعز، يبيعون ثمرة الفقوس الموسمية على متن عجلات يد “عربيات”؛ وإليهم يتدفق الكثير من الزبائن الذين يشترون شرائح الفقوس التي تُصفى من البذور ثم تُغسل وتُرش بالملح قبل إعطائها للزبون لإضافة نكهة خاصة على هذا المحصول الموسمي الغني بالألياف، والبوتاسيوم، والمغنسيوم.
في الجهة المقابلة للشارع؛ يدعو فاروق سعيد (27عاما ) المارين لتذوق ثمرة “التين الشوكي” التي يرافق موسم نضوجها موسم نضوج الفقوس أيضاً؛ وفي حين أن الفقوس يتدفق إلى مدينة تعز غالباً من سهل تهامة الخصب؛ فإن التين يجيئها من جبل صبر ومناطق في محافظة إب؛ وفقاً لعدد من الباعة المتجولين.
ثمرة مربحة
أثناء التجول في مدينة تعز، يُلاحظُ عشرات الباعة على جنبات الشوارع وفي الدوّارات المزدحمة وعند المطبات، يزداد عدد باعة هاتين الثمرتين مع حلول منتصف يوليو حتى أواخر أغسطس، وهو ذروة موسم التين والفقوس؛ المحصولين الأكثر رواجاً لدى الباعة المتجولين، نظراً لعدم توفرهما في محلات وبسطات الخضار والفواكه مثل بقية المنتجات الزراعية كالتفاح والموز مثلاً.
كان محمد نبيل (19 عاماً) يعمل إلى قبل أسبوعين في البناء، يقاول متعهدي البناء بنقل متطلبات الخرسانة والبلك إلى الأسطح، وأحياناً يعمل مساعداً لفنيي تركيب السيراميك والتلبيس، غير أنه فضل استغلال موسم الفقوس الذي يعمل فيه منذ أن كان في الخامسة عشرة، وهو يجني من هذا العمل الذي لا يتطلب منه مجهوداً شاقاً، ربحاً يعادل أو يزيد عما يكسبه من العمل في البناء.
والفقوس محصول يشبه الخيار، يتراوح طوله بين 25 و38 سنتيمتراً، ويتدرج لونه من الأخضر الغامق إلى الأخضر الفاتح؛ وعادة ما يؤكل طازجاً، إلا أن البعض يفضل استعماله في الطبخ، أو إضافته إلى وصفات المخلل، مثل “أم ريان” التي تشتري كمية معتبرة لإضافتها إلى وصفات المخلل الذي تعده في المنزل وتبيعه حسب الطلب لزبائن معروفين، وفق ما تحدثت لـ” يمن سايت”.
يقول محمد نبيل لـ”يمن سايت” إنه يتجمع كل صباح مع عشرات الأشخاص في انتظار شاحنة تأتي من سهل تهامة لبيع الفقوس؛ لافتاً إلى أنه يكسب ما يكفي من المال عند البيع بالتجزئة بحدود 8 إلى 10 آلاف ريال يومياً، فضلاً عن إمكانية بيع الدفعة الواحدة في أكثر من يوم، دون أن تتعرض للتلف، بخلاف المنتجات الأخرى التي قد لا يمكن بيعها على مدى يومين في هذا الصيف شديد الحرارة.

موسم للعاطلين
يرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن الفواكه الموسمية تسهم في توفير فرص عمل مؤقتة للعديد من العاطلين، كما تساعد في ردم الفجوة المعيشية لدى كثيرين، خصوصاً في ظل توسع دائرة الفقر والبطالة بين أوساط السكان، وانعدام فرص العمل وتوقف الرواتب.
ويلفت صالح في حديث مع “يمن سايت” إلى أن العديد من الأشخاص يلجؤون إلى بيع هذه الفواكه الموسمية، للتغلب على ظروف الحياة وقساوتها، ولمجابهة تحديات الحياة اليومية، كونهم لا يملكون فرص عمل دائمة ومستمرة، نتيجة ما أحدثته الحرب في البلاد من توقف الإنتاج في مختلف القطاعات، وتدمير سُبل الحياة.
ووفقاً للبنك الدولي، يحتاج نحو 21.6 مليون شخص في اليمن إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية خلال العام الجاري 2023، مع وجود 19 مليون مواطن إما في أزمة من الأزمات، أو في حالة من حالات الطوارئ، أو في مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي.
وبحسب صندوق النقد الدولي ، فإن التضخم في أسعار الغذاء وصل إلى 45% خلال العام الماضي، وهو ما يشكل تهديداً لملايين الأسر في بلد يفوق عدد سكانه 30 مليون نسمة.
ويقول فاروق سعيد، إنه يعيل أسرة من طفلين وأمهما من خلال بيع التين الشوكي؛ لافتاً إلى أنه يجني يومياً زهاء 12-15 ألف ريال، وعندما يضمحل موسم التين يعود للعمل في أشغال أخرى، سواء بيع البطاطا المقلية أو الحلويات الشعبية، وأحياناً ينتقل إلى سوق الجملة للعمل في نقل البضائع، إلا أنه يجد راحته ومكسبه الأفضل في بيع التين.
ووفقاً للحكومة اليمنية، فقد ارتفعت نسبة الفقر في البلاد، إلى 80%، في حين انكمش الاقتصاد بنسبة 50%، مع وصول نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى 60% من السكان، بينما هناك 80% من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية نتيجة الصراع الذي يشهده اليمن منذ صيف 2014.