” من أخطر نتائج الحرب الدامية في جبال صعدة أنها نقلت الحرب الى كل مدينة وقرية وبيت. وهذه مقدمات وشروط حرب أهلية، لايستطيع مشعل فتيلها أن يعرف مداها.
كفوا عن اللعب بالنار”.
ابوبكر السقاف- 15 ديسمبر 2004
بورتريه متجدد
فجر الجمعة 3 ابريل2015 وصلت إلى موسكو طائرتان روسيتان على متنهما اكثر من 300 مواطن روسي، ومن جنسيات أخرى، تم إجلاؤهم من اليمن. وبعدها واصلت الطائرات التابعة لوزارة الطوارئ الروسية عمليات توصيل المواد الإغاثية والطبية إلى صنعاء، وترحيل ماتبقى من الدبلوماسيين والرعايا الروس والأجانب إلى موسكو، وكان المفكر أبوبكر السقاف ضمن أولئك “الرعايا”، حيث اضطر إلى مغادرة صنعاء صوب موسكو ليلوذ برفيقة زهرة ربيع العمر وشريكة حياته”لينا” أيقونة الوفاء الروسية التي اعتصمت بحبه كما لا يحدث إلا في روايات القرن ال 19 الرومانسية.
وانتظرته طويلا لتكتنف خريفه الذهبي، بعد أن ضاقت ” صنعاء” بمفكر عبقري قلما جاد به الزمن على اليمن الطاردة لذلك العقل الجبار الذي تميز بتبصراته العميقة، وبامتلاكه لأدوات الحفر والتحليل والتفكيك والتفسير.. ورسمه المبكر لتجاعيد وأخاديد التغريبة اليمانية القصوى، والشتات المريع الضارب في أرجاء البلاد، والعابر للحدود والقارات.
لقد غادر صنعاء بعد مشوار طويل من العطاء المثمر، والعناء والآلام والدماء، وبعد أن تعرض لحملات التنكيل والإعتداءات الوحشية، ولمحاولات الاختطاف والاغتيال التي نجا منها بأعجوبة أكثر من مرة.
فقد تعرض للإعتداء الهمجي الأول في 10 مايو 1995لأنه كان يدافع عن الصحفيين الشباب الذين تعرضوا للسجن والتعذيب. وكان ما ناله بشاعة أفظع بما لايقاس من معاناة الصحفيين. وقد نشرت صحيفة “يمن تايمز” في اليوم التالي صورته بعد الإعتداء عليه بالألوان، وتوزعت الصورة على نطاق واسع، وصممت حينها بطاقة بريدية تحمل صورته وزعتها المعارضة في الخارج، نقلا عن الصحيفة.
وتعرض للاعتداء الهمجي الثاني في 22 ديسمبر1996بعد ان شارك في فعاليات المنتدى الإقليمي حول ترقية وإستقلالية الإعلام في المنطقة العربية. وقد وزع فيه رسالة حول الإعتداء الذي تعرض له. وأدانه الرأي العام المحلي والعربي والدولي؛ وعلى ذلك كان الإعتداء الثاني أكثر بشاعة وهمجية، حيث قامت عصابة مسلحة تابعة للدائرة الأمنية برئاسة الجمهورية، باختطافه وتكبيله ، وانهالت عليه بالعصي الكهربائية، ورمت بجسده النازف في قرية ” بيت بوس”. غير أنه نجا للمرة الثانية، وكانت تلك أكثر من اعجوبة؛ فقد تهشم وتكسر في أكثر من موضع وضلع، وفقد إحدى عينيه، وساعدته بنيته الجسدية القوية، وإرادته الأقوى على النهوض مرة ثانية، ليخوض معركته الكبرى دونما كلل…كانت صورته التي نشرت حينها فاجعة، مروعة، وقاطعة على انحدار “النظام”إلى مادون الحضيض، وإلى الإستنقاع في الدم، الذي غرق في بركه في وقت لاحق وسريع، على نحو ماتنبأ به السقاف العظيم.
لقد اتسمت الإعتداءات على العملاق “أبوبكر” بالهمجية والوحشية بناءا على تعليمات من رأس النظام الذي استفزته سلسلة مقالاته حول” غزو الجنوب والإستعمار الداخلي” التي نشرت حينها في صحيفة” الأيام” العدنية..وكان الرد ب”اللبج” حسب التعبير الفج لشيخ القبيلة والرئيس عبدالله بن حسين الأحمر.
ذلك هو الرد الذي يجيده النظام: ” اللبج” و”القتل” وقد لقي حتفه بشيء من جنس عمله. الرد بالتنكيل وهجمات العصابات المسلحه على رجل أعزل كان، وما زال، يتنفس هواء النجوم ويتضوع بأريجها، ويجسد قمة الشموخ حين يعبر بكفاءة مثيرة للإعجاب عن قدرته على الخروج عن صمت النعاج.
تعرض أبوبكر السقاف لشتى صنوف التنكيل، فقد أوقف مرتبه، ومنع من السفر، واقتحم بيته، وتعرض للسطو والسرقة التي طالت خمس مسودات لكتب من تأليفه، كانت جاهزة للطبع، والعشرات من النصوص السردية والشعرية والنقدية المعدة للنشر. وقطعت عنه خدمة الهاتف والكهرباء لفترات طويلة، ومنعت زيارته….الخ.
ورغم كل ذلك، وفي ظل كل ذلك، لم يتوقف عن خوض معركته الكبرى دفاعا عن الحريات وعن حقوق الإنسان؛ وهو القائل: ” إن غابت الكرامة احتجب الوجود الإنساني”. وقد انضوت في هذه المعركة معارك كثيرة متفرقة خاضها بجدارة وجسارة و” يصعب على فرد واحد أن يخوضها”، حسب صديقه ورفيقه عبدالله حسن العالم.
عقب الإعلان عن جمهورية 22مايو 1990، كان على رأس مجموعة من أهم الحقوقيين والناشطين الذين تنادوا إلى تكوين لجنة وطنية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات. وقد ردت السلطات على تلك المبادرة باستنفار أجهزتها القمعية، ووأد المبادرة في المهد، مستهدفة أبوبكر، وغيره من الحقوقيين والأكاديميين المناهضين لسياساتها.
وفيما كان يحرص على الحضور والمشاركة الميدانية في الفعاليات التضامنية مع ضحايا القمع وحتى السفر الى مناطق بعيدة من أجل ذلك، والوقوف في صدارة المناصرين والمنتصرين للقضية الجنوبية، ولحق شعب الجنوب في استرداد كرامته ودولته، ومؤازرة الزيدية والإسماعيلية في محنتهما، وضحايا البطش والتغييب في جهات اليمن كلها، فقد واصل مشوار الاستزادة المعرفية، والتأسيس الفكري على العقل النقدي؛ وتضمنت كتاباته توثيقا دقيقا لسجل الإنتهاكات، وجرائم القتل والتعذيب، جنبا إلى جنب مع عمله على تبديد الأساطير والمفاهيم المغلوطة عن اليمن، ومسار تطوره.
و فضلا عن تعرية قوى مذهبية وطائفية وقبلية حاولت،
ولا تزال، تسخير الإطار الجديد نسبيا للدولة لإستمرارية القديم في شكل “سلطنة”
جديدة، وبالأحرى الجمهورية التي اختطفها ورثة الإمامة: قبيلة الانتقام من الإمام.
وكما تصدى للحالمين بإستعادة الإمامة بنسخة منقحة:
“الإمامة في القرن 20 مشروعا مستحيلا” وهي”أقرب إلى نوع من المستحاثات الباليونتلوجية منها إلى تكوين إجتماعي تاريخي متخلف”. فقد تصدى للنافخين في روح ” الديناصور الملون “: القبيلة باعتبارها بداية التاريخ ونهايته. وقال: إن بيئة مجتمع الإمامة مواتية لكل أنواع التشرذم بارتكازها على دعامة النسب ، إلى جانب اعتمادها على المؤسسة القبلية، التي طالما كانت من أهم أركان الإمامة، وشكلت أساسها الإجتماعي والثقافي، الذي تفسخت منه كل الشروخ الإجتماعية، لتتحول إلى مليشيات على نحو مانشهد اليوم.”1”
لقد خاض المعركة الكبرى، وما انطوت عليه من معارك متفرقة في أكثر من جبهة واتجاه؛ ولذلك تعرضت حياته للمحن والمهالك والصعوبات والعقوبات، وتكالب عليه الخصوم بكثرة لانظير لها. ولكنه لم يهن ويتراجع، بقدر ما انشحذت قدرته على التقاط التفاصيل المؤلمة والكاوية. وحافظ على مكانته كمفكر و مثقف رفيع، وحضور إنساني شفيف ومتدفق بالحياة والذكاء والمعرفة،
وبورتريه متجدد بطاقة المقاومة لسلطات القمع، والكشف والتعرية لخونة الثقافة والكتابة والرسالة الأكاديمية.
من عهد المخبرين إلى عهدة القناص
كان يتبرم ويسخط في وجوهنا حين نضيف لقب”الدكتور” إلى اسمه؛ فهو يرسل مقالاته مذيلة باسمه العادي العاري من أي لقب، ويحذرنا من تدبيج توقيعه ب” الدال”فقد كان سباقا إلى انتقاد ” الفيض من حملة الدكتوراه، الذي يقابله دون مفارقة تدن صارخ في دور العلم في المجتمع، وضعف فاضح في المستوى العلمي لحملة شهادة الدكتوراه”.
كان ذلك قبل أن تلتحق زمرة معتبرة من حملة الدكتوراه ب”حنشان
الظمأ” – المليشيات الحوثيةـ وتتسابق على التغطية والتبرير لإرتكابات المليشيات والإنخراط في صفوفها حتى انتهى الأمر بهؤلاء ” الدكاترة” لأن يصبحوا حالة ينبغي أن تخضع لتشريح نفسي طبي سريري، وتشريح جيولوجي لتفسير انطمارهم بتراب ماتحت التاريخ.
لقد عانى الدكتور السقاف كثيراً من الخيبة والخذلان، وأعد نفسه لمجابهة ارتدادات وامتصاص تقلبات وهجمات المحسوبين على التقدم و” التقدمية.
:”من يتصدى للأمور العامة عليه أن يوطن نفسه على مكابدة كل سيئات المجتمع، والنفس البشرية”.
ومن وقت مبكر انتقد انحدار دور الجامعة الأكبر في اليمن ـجامعة صنعاءـ وخضوعها ل”بيت طاعة الدولة الأمنية”. قبل أن يجري إخضاعها ل”بيت طاعة المليشيا”، دعا إلى رفع يد الإرهاب الرسمي عن الجامعة”، وجعل الجامعة ساحة مستباحة علنا وبزهو فاجع لا يمكن أن يمليه إلا منطق الإستقواء بالأمن العسكري الذي ينطوي على إهانة بالغة لكرامة العلم وكل من يعمل في رحابه”.
ووقف ضد تدخل مؤسسة الرئاسة في شؤون الجامعة، رافضا أن تكون مساهمة في إعادة إنتاج القهر، أو مساعدة على إنتاج الواقع في ثباته”، ومؤكدا على أن” وضع الجامعات المتردي ناتج عن عسكرتها، وفرض وصاية الأمن عليها في شئونها كافة”.
وتبعا لذلك؛ لاحظ أن الجامعات والمدارس” أصبحت سجونا للتدجين والقمع وتزييف الوعي وصنع الطاعة”,، مؤكدا على أن ” تحرير العلم هو المقدمة الكبرى لتحرير المجال السياسي، ومجال المجتمع المدني من أغلالهما”. وقد كان سباقا، كالعادة، إلى الإعلان بأن :” التعليم منطقة كارثة وطنية”.
في السياق أوضح أن “الجامعة تطرد بانتظام أفضل علمائها”، مشيرا إلى واقعة “حظر العمل مع الزميلين علي محمد زيد والدكتور محمد المخلافي”. و”تزايدت وتيرة طرد الكفاءات من مجال التعليم العالي”باستهدافها لشباب يهدرون “زهرة العمر” في مناخ المذلة والكآبة والإحساس بأن وطنهم لايحتاج إليهم، وأنهم فائضون عن الحاجة”.
ونوه غير مرة إلى أن :جامعة صنعاء تدار بغرفة عمليات تتصل رأسا بالأمن والداخلية”، وفي وقت لاحق، بأمن رئاسة الجمهورية، لأن “رئيس الجمهورية يعتبر الجامعة جزْءا من دائرة الأمن الشخصي”.
ولئن كان “الزعيم”
السابق قد ألحق الجامعة بدائرة أمنه الشخصي، فإن “السيد” اليوم يجمح إلى إلحاق الجامعة ب” البيت” من لحظة تعيينه لشقيقه الأكبر وزيرا للتربية والتعليم، وتعيين العشرات من” آل البيت” في أهم المناصب في المؤسسات التعليمية والجامعية.
وقد دخلت الجامعة في نطاق الاهتمام الخاص للحرس الثوري الإيراني والرعاية الخاصة من قبل قيادة الحرس ومبعوثه إلى صنعاء حسن إيرلو؛ بدلالة الظهور الأول لهذا المبعوث الذي تقصد أن تكون جامعة صنعاء أول منصة لأول إطلالاته عندما قام بزيارتها في 12 يونيو الماضي، ليبحث مع رئيس الجامعة وغيره من “الدكاترة” مسألة تطوير المناهج والمواد الدراسية، ونقل الخبرات الإيرانية إلى صنعاء”، حسب وسائل الإعلام الحوثيةـ.
ترى ماالذي ينتظر من” أبو الحسن”؟
…هذا “السفير” الإيراني كان هو المشرف الأبرز على الجماعة الحوثية، ويقوم بدور المنسق غير المباشر بين مكتب الولي الفقيه علي خامئني، وقيادة الجماعة الحوثية قبل ان تعلن الخارجية الإيرانية عن وصوله إلى صنعاء في 17 اكتوبر العام الماضي، كسفير لطهران في صنعاء رغم الحصار، في خطوة وصفها مراقبون ب”اختراق موجع للرياض”.
ايرلو أو ” أبو الحسن ” كان مسئولا عن الملف اليمني، وهو الذي كان يوجه الدعوات للصحفيين والكتاب اليمنيين رجالا ونساء، لزيارة طهران، وهو قيادي في الحرس الثوري، وخبير سلاح، وجريح سابق في الحرب الإيرانية ـ العراقية. وقد جاء تعيينه سفيرا لدى سلطة الإنقلاب، التي يشرف عليها لأنه على صلة وثيقة بأغلب القيادات الحوثية؛ فقد كان يستضيفهم ويصرف لهم المخصصات المالية في بيروت وطهران، ويرسلها إلى اليمن خلال العقد الأخير. كما أن بعضهم كان يتقاضى مخصصات من دون علم عبدالملك الحوثي, وكان حريصا على توثيق تسليم تلك المخصصات. وهنالك من يخشى توثيق بالفيديو للحظة الإستلام، كما يفيد الناطق السابق ل”أنصار الله” علي البخيتي.
بعد زيارة “ابو الحسن ” إلى جامعة صنعاء بأيام ظهرت الثمرة الأولى لتلاقح الخبرات بين الحرس والمليشيا، وجرى تعيين أحدهم كمشرف على الأنشطة التعليمية والثقافية، وله حق مراجعة المقررات الدراسية في مراحل التعليم العالي، والبحوث العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراه. مع العلم بأنه لايحمل إلا شهادة البكالوريوس، إلى جانب ـوهذا الأهم- ـكان من ألأتباع المخلصين للمؤسس حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل في 10 سبتمبر 2004.
وبموجب هذا القرار أصبحت موافقة هذا المشرف شرطا أساسيا لقبول رسائل الماجستير والدكتوراه، إلى جانب الإشراف عى الأنشطة الثقافية والإعلامية.
وحينما استنكرت بعض الأصوات الأكاديمية هذا التعيين المخالف لأنظمة وقوانين الجامعة، ونددت به كفضيحة تكفي لسحب الإعتراف بجامعة صنعاء؛ تنمرت عليهم القيادات المليشياوية في الجامعة، وأعلنت عليهم المشرفة على الزينبيات في الجامعة حرب التخوين والتكفير، مشددة على ضرورة تمكينه من ممارسة القنص على السطور، وعلى مابين السطور، وممجدة ل”القناص” كضرورة لضرب الأعداء والخونة والمنافقين، والمحافظة على ” الهوية الإيمانية” للجامعة.
وفي ذات المنحي صار الحسينيون والزينبيات يتحكمون بجامعة صنعاء وغيرها، ولا يكتفون بالتربص وملاحقة ورصد خلجات من لا يشبههم، وإنما يقومون بتسجيل المحاضرات والمناقشات، وتوصيلها إلى مشرفين و” دكاترة” متخصصين بتفسير النوايا، وتقرير مصير أي أستاذ جامعي، بعد التدقيق في خلفياته والتحديق في شجرة عائلته ونسبه، وتحليل فصيلة دم الشيطان الذي أغواه بالخروج عن بيت طاعة ” السيد”.
انه زمن ” الدكتور” المتحور إلى وطواط مطاط، لئيم, خسيس، وخلطة سامة من التفاهة الشرسة، والدموية التي لا تقف عند حد تبرير القيود، وإنما تتمادى إلى تبرير القتل، واستدعاء خطوط النار إلى قاعات الدراسة والمحاضرات.
لقد كان المفكر أبوبكر السقاف رافضا تحويل الجامعة إلى واجهة جوفاء للمخبرين وأجهزة القمع. قبل ان تتحول إلى خرائب وأطلال تنعق فيها غربان المليشيات، وتنقض على من يعترض سبيلها.
وقد لاحظ بعين قافلة ملامح وأعراض ومقدمات الانهيار الكبير بالتعليم والجامعة، وهي مقدمات التمكين للمليشيات من هدم بقايا اركان التعليم. وأصبحت كلمة انهيار وتدهور منظومة التعليم قليلة بالقياس إلى حجم الكارثة؛ بعدما صارت المليشيات تتحكم بالعملية التعليمية، وتفرض العطل الدينية بما يزيد على ثلاثة أشهر من السنة الأكاديمية، وتمكن عناصرها من المناصب العليا رغم أن جلهم يحملون مؤهلات متواضعة، وشهادات مشكوك في أمرها من جامعات معروفة وغير معروفة، ومن أسواق أشتهرت بتزوير الشهادات والوثائق العلمية كسوق كوجه مردي في طهران، وسوق مريدي في بغداد.
وتسارع المليشيات إلى تغيير التعليم وتعطيله، وتطييف المناهج، وإفراغ الجامعات من أصحاب العقول. وتعتدي على الأساتذة، وتشجع زعرانهم على ضربهم وإهانتهم والتنكيل بهم، وتطرد غير المرغوب فيهم من السكن الجامعي، وتكرس طابع البلطجة وملشنة الجامعة وتفخيخها بقيادات أمنية بالفطرة، وأمية بقوة الأمر الواقع.
لقد مات وقتل العشرات من أساتذة الجامعة خلال هذه الحقبة السوداء، ورحل المئات الى دول أخرى. وما زالت حملات وعمليات التجريف للجامعة ومؤسسات التعليم مستمرة ومتسارعة.
وفي لأثناء تفتتح المزيد من ” الدكاكين” تحت مسمى جامعات تابعة لأكايميي وأكاديميات المليشيات و”السيد” بعد أن إكتشفوا بأنها مورد ضخم للأموال، ومغاسل مثالية لتبييض الأموال القذرة التي تجنيها المليشيات من تجارة المخدرات والأسلحة والوقود والمساعدات الإغاثية وغيرها.
لقد اصبح بعض الأميين وأشباههم يمتلكون الجامعات… وماعليكم إلا ان تتصوروا نوعية الكوادر التي ستقود هذا البلد في المستقبل القريب.
المؤسف ان كل هذا
يحد ث من غير ما اعتراض جاد وفاعل، باستنثاء بعض الأصوات القليلة الشجاعة التي تعترض بقوة على ارتكابات المليشيات، وتعاني الأمرين من الزينبيات والحسينيين و”الدكاترة” الإنتهازيين والمتعفنين في “رقدة العدم”.
لقد عشنا وشفنا الكثير من المهازل، وطالعتنا صور بعض اصحاب السوابق اليساروية والقومجية وهم يشاركون في فعاليات أسبوع ” الصرخة” والندوات وورش العمل التي تنعقد حول الصرخة، ويباركون لرسائل ماجستير حول ” الصرخة”…
عليهم اللعنة.
من هذا المصير كان المفكر أبوبكر السقاف قد حذر كثيرا وهو يتحدث عن خراب التعليم، وحال المجتمع الذي يفرغ دوريا من قوى التغيير، ويصبح غير قادر على الحركة، وبعيدا عن الدينامية التي تتميز بها المجتمعات المعاصرة. وقد أعطى هذه المسألة حيزا كبيرا من اهتماماته وكتاباته ومحاضراته في جامعة صنعاء والجامعات اليمنية الأخرى، وكأستاذ زائر في العديد من المجتمعات العربية والأوربية المرموقة.
كل التحية والمحبة والعرفان لأبي “لوبا” المفكر أبوبكر السقاف ولشريكته الموسكوفسكية العظيمة لينا.
ملحوظة: كل العبارات المقوسة مأخوذة من كتابات الدكتور/ ابو بكر السقاف.